المجد لشهداء برلهين

 أبوه يعمل في أرضه من الصباح حتى مغيب الشمس، وأمه ترعى صغارها تطعمهم خبزاً سورياً، وترضع أخاه الصغير حب الأرض والوطن، إخوته يستنشقون هواء القرية النقي. يلهو مع أقرانه ويضحك بكل ما فيه، يضحك للجيران للأرض للسماء ويركض ويذهب بعيداً، فتى يافعاً لا تعنيه التفاصيل، فقط يؤمن بأن كل ما حوله خلق للحياة، هي الحياة فلنعشها بفرح وحب ولا معنى لغير ذلك، يعود إلى البيت فيسمع من جلساء والده عبارات لم تكن تعنيه بشيء، ويعود إلى فضائه الخاص يضحك ويركض ويداعب أقرانه ثم يذهب بعيداً.

عاد ليسمع كلمات في مجلس والده.. وطن.. أرض.. أمان.. سلام.. خونة! أصغى قليلاً.. فكر ملياً.. وجد وجوه غريبة لم يرها من قبل! ذهب بعيداً بين حجارة قريته يعدو ويضحك ثم عاد، أبي من هؤلاء الغرباء؟ لماذا يحتلون دار جارنا أبو رامي؟ بنيّ.. يقول والده.. احذر منهم إنهم قذرون! ثم يهاجر والده، يحمل عياله معه ويذهب، تجهّم وجه والده يمنعه من الضحك، يصمت، ثم يحمل بندقيته ويذهب، يجد أقرانه أمامه، يرافقهم، عادل من هؤلاء؟ يقول عادل إنهم أشرار، علينا محاربتهم، يذهب يودع أمه ولا يشرب الشاي. يقول لها: حين أعود ستخطبين لي! ويبتسم ويذهب، يتقدم رفاقه ببسالة، يلتفت إليهم ليقول: انتبهوا..إن عدونا غادر.. صوت انفجار رهيب، ويقف الزمن عند هذه اللحظة بالنسبة لعادل، ينظرون إليه.. ابتسامة عريضة على وجهه، ودماء غزيرة تنسكب من صدره، وشاهده مرفوع إلى السماء.

هو ابن ذاك الفلاح البسط، لم يكن سياسياً ولا فيلسوفاً ولا مثقفاً، كان ببساطة سورياً: صبحي مهدي الأحمد، ابن قرية برلهين، ابن سورية، كل سورية، كان جندياً في الجيش العربي السوري.

العدد 1105 - 01/5/2024