المعارضة لا تعني شيطنة كل شيء ورميه في الحاوية
وحيد سيريس:
سورية التي لم تشهد مناخاً ديمقراطياً سوى عدّة سنوات في خمسينيات القرن الماضي.. تلك الفترة القصيرة لم تتح الأرضية لإنتاج ثقافة الديمقراطية.. سواء بالتداول السلمي للسلطة أو إنتاج معارضة وطنية، من قوى سياسية ومجتمع مدني لم تحظَ بالأكثرية، وبالتالي لم تحكم ولم تشارك في السلطة المنتخبة، فيكون دورها في مراقبة سلوك الحكم وسياساته، وانتقاد الشذوذات في الأداء.
وبالتالي يمكن القول، بأن نمط السلطة المتفردة في الحكم لعشرات السنين والتي تقصي غيرها، أنتج معارضة تشبهها في مسألة الإقصاء.. والمعارضات السورية في غالبيتها، لا تقوم بتحليل فترة حكم البعث الممتدة لـ ٦٠ عاماً بكل اتجاهاتها، في السياسة الدفاعية والأمن القومي.. أو في الاقتصاد، أو السياسات الاجتماعية وخاصةً في مسائل التنوع في تركيبة المجتمع السوري، حقوق المرأة والطفل، الرعاية للفئات الأدنى دخلاً، ببرامج الدعم للمواد الاستهلاكية الرئيسية، وأهمّها الخبز والطاقة، أو متوسط الدخل للمواطن السوري، في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.. وحتى الثمانينيات، وصولاً إلى بداية تراجعه في التسعينيات، وتسارع تراجع دخل الفرد مع بداية الألفية الجديدة، الواقع الصناعي والزراعي، مشاريع البنية التحتية التي انعكست تطوراً ملموساً في الزراعة والصناعة، كل تلك المسائل الجوهرية يجري تجاهلها وعدم البحث فيها وتحليلها واستنتاج العيوب والمحاسن.. أين الخطأ وأين الصواب، بل استسهال الأمر، ورمي كل شيء، نعم كل شيء في الحاوية، وحدهم الشيوعيون أو اليسار عموماً، مَن هم خارج الجبهة ومن هم في داخلها، أي من كانوا في المعارضة أو الذين شاركوا بشكل رمزي في مؤسسات الحكم، كانوا يحللون سياسات الحكم بكل اتجاهاتها، وضعوا رؤية حول كيفية إصلاح الانحرافات في الاقتصاد، وفي سياسات الرعاية الاجتماعية للفئات الأدنى دخلاً، وكيفية تعزيز ما هو صحيح وحيوي، وأثبتت التجربة ايجابيته وانعكاسه على حياة المواطن، لكن الاستبداد وإقصاء الآخر هو السائد في منطق الحكم، والتركيبة الطبقية لقوى النفوذ والحكم التي أصابها التغير نتيجة الفساد والنهب والإثراء غير المشروع، قد رمى كل تلك المطالبات الوطنية العميقة في الحاوية.
أيتها المعارضات (معارضات النظام الساقط).. لا تفعلوا مثلما فعل الحكم المستبد الذي سقط.. ولا ترموا كل تلك المرحلة الطويلة بما تحويه من إنجازات أو فشل، وكل الرؤى الوطنية للإصلاح والنهوض، في الحاوية.