الولايات المتحدة تستعدّ لنهاية العالم على الطريقة الرأسمالية
إدارة البيت الأبيض تستأنس في موافقتها على بناء الملجأ كما يبدو بفيلم (نهاية العالم 2012) لرولان إيميريش، وتخصص الملجأ للأغنياء
بقلم د. أيمن أبو الشعر:
يستنهض الخبر الذي سنتناوله في هذه المقالة حول عزم واشنطن بناء ملجأ ضخم منيع للأغنياء يقي حتى من الحروب النووية، رؤى إبداعية سينمائية عديدة حول نهاية العالم، ومواجهة تلك الظروف الجهنمية عبر العديد من الأفلام في إطار الخيال العلمي، والتي حاولت أن تبدو وكأنها ذات طبيعة وثائقية لتقريب محتواها من ذهن المشاهد لعل من أهمها (نهاية العالم 2012).
ينطلق الفلم الذي أخرجه الألماني رولان إيميرش قبل بضع سنوات من عام 2012 من معطيات مشوقة ومرعبة بآنٍ معاً، فالفيلم ذو طبيعة أمريكية في هذا المجال من حيث عدة عوامل ترهيبية، أهمها أنها قدمت الفيلم قبل عام 2012 بحيث جعلت ملايين البشر يعيشون تلك السنوات قبل عام 2012 بحالة هلع شديد وصل ذروته عام 2012 ، وتعتمد قصة الفيلم على بعض المعطيات غير الموثوقة أساساً، وهي أن قبائل المايا توقعت أن تحل نهاية العالم تحديداً عام 2012، وأن هذا مشار إليه في تقويم أمريكا الوسطى القديم، فضلاً عن الاعتماد على القدسية الرقمية في إشارة إلى 21 ،12، 2012، حيث يتكرر في التقويم الرقمين 1 و2 ثلاث مرّات في اليوم، والشهر، والسنة، فضلاً عن أنه يَحلُّ قبيل أيام معدودة من عام 2013، والرقم 13 مشؤومٌ عموماً لدى معظم البشر.
التشابه الضمني بين هذا الفيلم والمساعي الأمريكية لبناء ملجأ يكمن في أن الفيلم يتحدث عن أن الدول الكبرى تبني عدة سفن ضخمة جداً ومصفحة، ويمكن أن تتحول إلى غواصات عملاقة لكي يبقى من بداخلها على قيد الحياة حتى وإن غمرتها المياه، وتجعل ثمن البطاقات كبيراً جداً بحيث لا يستطيع أن ينقذ نفسه إلا كبار الأغنياء الرأسماليين، وهذا يتقاطع عملياً مع المشروع الأمريكي الأخير ببناء ملجأ ضخم يحفظ حياة الأثرياء من نهاية العالم، الأمر الآخر في الفيلم أن المسؤولين عن رحلة الإنقاذ هذه يحملون في السفن أزواجاً من أنواع الحيوانات لإعادة صورة العالم بعد هدوء الكارثة إلى ما كان عليه قبل الفناء، أي الإسقاط الواضح على قصة نوح والطوفان، وهذا هو المرجّح، ومما يؤكد ذلك أن اسم الطفل في الفلم (نوحا).
السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي دفع بإدارة البيت الأبيض إلى تبني مثل هذا المشروع حالياً إن كانت وراء إقراره؟
الأمر حتماً لا علاقة له بالكوارث الطبيعية التي لم تظهر مقدمات لها بهذا الحجم، فحتى الترفع الحروري ما زال تحت إشارة استفهام، وإمكانات تأثيره بشكل حاسم قد يأخذ زمناً كبيراً جداً لا يستدعي بناء مثل هذا الملجأ.
نعود إلى الخبر الذي جرى تداوله مؤخراً وهو أنه سيبدأ بناء ملجأ نخبوي لأغنى أغنياء العالم لحفظ أرواحهم في حالة وقوع كارثة عالمية، ويكون الملجأ قريباً من البيت الأبيض، ولكنه لن يستطيع حماية كل الراغبين من الأثرياء، فهو مخصص حسب الخبر لحماية 625 شخصاً وحسب، وتضمن الخبر الإشارة إلى ثمن هذه الحماية التي حددت ب 20 مليون دولار! طبعاً من الواضح أن الملجأ في مثل هذه الحالة سيكون انتقائياً، فأثرياء العالم أكثر بكثير من هذا الرقم، وهم مستعدون لدفع مبالغ أكبر بمئات المرّات لصون حياتهم، وهذا أيضا يدخل في الطابع الرأسمالي الأمريكي من حيث السعي لإنقاذ من يدفع ممن تريد أمريكا إنقاذهم، ويشار إلى أن هذا الملجأ حسب شركة (سيف الأمريكية) التي ستتكفل بالبناء سيكلف 300 مليون دولار وهو فاخر، مزود بالمسابح والمطاعم والمعدات الطبية التي تعمل بالذكاء الصناعي، ويرجح أن يكون المبلغ صغيراً نتيجة أن فكرة اللجوء للحماية من فناء العالم لا تبدو شعبية بما فيه الكفاية، أو أن هذا المشروع نسخة أولية لبناء عشرات أو مئات الملاجئ لاحقاً وفق فكرة احتمال فناء العالم، وهذا الأمر قد يستدعي وفق النمط الأمريكي ترويج ودعم ازدياد حدة التوتر ما يخلق حالة هلع متصاعدة تدفع لجعل هذا المشروع حيوياً أكثر، خاصة أن الإشارة هنا في الواقع هي لوجود مخاطر حدوث حرب نووية.
الجدير بالذكر أن موقع (نيوز رو) الروسي نشر تقريراً عن تأثيرات الحرب النووية المحتملة بين روسيا والولايات المتحدة استناداً إلى استمرار الحرب في أوكرانيا واستمرار دعم الولايات المتحدة لكييف، الأمر الذي يترافق مع تطوير كل من أمريكا وروسيا لأسلحتهما النووية، وأن مثل هذا الصدام سرعان ما يتوسع ليشمل الدول النووية الأخرى، وستكون النتيجة انبعاث كميات هائلة من الكربون الأسود يحجب الشمس ويتسبب بحلول الشتاء النووي، الذي يكرس فناء البشرية، ومن هنا تتنامى فكرة بناء الملاجئ الحصينة المزودة بكميات كبيرة من الأغذية حيث ستكون الزراعة شبه مستحيلة في ظروف الشتاء النووي.
وقد يكون الخبر وحتى المشروع بحد ذاته إن كان حقيقة كمحاولة للفت الأنظار إلى ضرورة معالجة الأمور سياسياً قبل أن يصل العالم إلى حافة الفناء، أو العكس للاستفادة من المخاطر مالياً، فالرأسمال وطنه أرباحه، ويمكن أن يصور الواقع خيالاً أو الخيال واقعاً حسب مصالحه، ومنطقه يقول: لماذا إذاً لا يُستفاد من هلع المتوجسين، وحتى من أحلامهم بالنجاة، كما فعل رولان إيميرش في فيلم نهاية العالم 2012، وربما كانت معطيات السينما عبر الخيال العلمي أكثر واقعية مع تزايد مخاطر الصدام النووي، لا الكوارث الطبيعية.