القمة العربية والإسلامية غير العادية… دون العادية
د. أحمد ديركي:
تعقد القمم بين أمم وشعوب وحكومات مختلفة من أجل التواصل في ما بينها والتوصل إلى أمور مشتركة تجنبها الوقوع في مشكلات مستقبلية، أو لتطوير قضية تخدم مصلحتهم مستقبلياً. فهناك قمم اقتصادية بين كبرى اقتصاديات العالم لترسم هذه القمم سياسات العالم الاقتصادية بما يتوافق مع مصالحها. وهناك قمم سياسية تجتمع من أجل التواصل والتوصل إلى حل قضايا سياسية كبرى تخص الدول المشاركة في القمة، أو لرسم سياسات العالم…
اما ما يتعلق بالمنظمات الدولية الكبرى مثل الأمم المتحدة، وتفرعاتها، فلا تعقد قمماً بل لقاءات دورية لدولها الأعضاء لنقاش القضايا المطروحة من أجل حلها.
لكن يبدو أن الموروث الثقافي القبلي للدول العربية ما زال متسيداً عقلية الزعيم القبلي، فكل زعيم منهم يعتبر منهم نفسه قمة بذاته، ولقاؤه مع زعيم عربي آخر يمثل اجتماع قمتين، واجتماع ثلاثة تعبير عن اجتماع ثلاثة قمم وهكذا دواليك. والدليل على هذه العقلية القبلية كثرة الألقاب التي تصاغ قبل قول اسم هذه الدولة أو تلك!
أتت الجامعة العربية لتمثل ذاك المكان لاجتماعات هذه القمم، وتعقد لقاءاتها دورياً للتباحث في القضايا العربية، على كل الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. منذ اجتماعها الأول، عام 1945 عام تأسيسها، وحتى اجتماعها الاستثنائي الأخير الذي عقد في دولة تسمى باسم عائلة ملكها، المملكة العربية السعودية، وهي تتناقش وما زال النقاش جارياً. جامعة تضم 22 دولة بتعداد سكاني يقارب 431 مليون نسمة، ما يمثل 5% من سكان العالم وتملك 55% من احتياط نفط العالم، أي تملك أكثر بقليل من نصف احتياط نفط العالم فضلاً عن بقية الثروات الطبيعية، فمساحة العالم العربي تقارب 14 مليون كم2.
ما ينقص العالم العربي أمر واحد وهو دولة فلسطين ومساحتها 27027 كم2! احتلها الكيان الصهيوني وأقام عليها كيانه بقوة الاستعمار البريطاني والفرنسي وحالياً الأمريكي. كيان منذ نشوئه على أرض فلسطين وهو يرتكب المجاز ويقضم الأراضي الفلسطينية بلا حسيب ولا رقيب. ولم يبق من أرض فلسطين سوى أقل من 12% من مساحة فلسطين.
كل هذا يحدث منذ قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين والجامعة العربية تجتمع سنوياً وتناقش القضية الفلسطينية! هي تناقش والكيان الصهيوني بلا عقد قمم يقضم فلسطين وشعبها!
والشعب الفلسطيني والمقاومة لكل احتلال منذ قيام الكيان على أرض فلسطين وهي تقاوم هذا الكيان، وصولاً إلى عملية طوفان الأقصى. فاستخدم الكيان الصهيوني بغطاء عالمي، وضمناً الأمم المتحدة بكل تفرعاتها، أحدث آلة قتل أمريكية لاستكمال إبادته للشعب الفلسطين ومقاومته، وكل من يدعم مقاومته فعلياً لا ببيانات استنكارية.
بعد ما يزيد عن عام من ارتكاب الكيان الصهيونية أبشع جرائم الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته والمقاومة الداعمة لمقاومة الشعب الفلسطيني، وشعبها اللبناني، استفاقت الجامعة العربية لعقد قمة لتناقش مجدداً القضية الفلسطينية.
من الجيد أنها استفاقت وحشد ملايينها المالية، لا الشعبية لتوسيع القمة الاستثنائية وتضم إليها الدول الإسلامية! فكانت القمة العربية والإسلامية غير العادية! المنعقدة في المملكة العربية السعودية (الدولة المباركة) كما يصنفها الكيان الصهيوني. قمة تمثل ما يقرب 57 دولة بتعداد سكاني يقارب 2 مليار نسمة!
جميعهم اجتمع في الرياض، طبعاً رؤساء هذه الدول، لمناقشة القضية الفلسطينة وكيف يمكن لجم هذا الوحش البشري المفترس لفلسطين وشعبها، وأنفقت الملايين، ملايين تكفي لتزويد المقاومة بالأسلحة اللازمة لتحرير فلسطين وكل الأراضي العربية المحتلة، على استضافة الزعماء.
اجتمعوا جميعاً وكل قال كلمته بلغة منمقة تليق بقائلها، وشعارات طنانة وجميعهم لبس كفوفاً بيضاء متنصلين من موقف جدي من القضية الفلسطينة وما يجري في فلسطين وفي لبنان واضعين اللوم على المجتمع الدولي، والذي هم جزء منه، والذي هو بدوره داعم للكيان الصهيوني.
بعد خطبهم وطعامهم واقامتهم الفاخرة التي تليق بهم والملايين التي أنفقت على استضافتهم صدر عنهم بيان ختامي وأتى فيه بالنص:
القرار الصادر عن القمة العربية والإسلامية غير العادية
الرياض، المملكة العربية السعودية
9 جمادى الأول 1446 ه الموافق 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024
نحن، قادة دول وحكومات جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، المجتمعون… وبناء على قرارنا دمج القمتين العربية والإسلامية غير العاديتين لبحث العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 م؛ نجتمع اليوم في مدينة الرياض استجابة للأحداث المتصاعدة، وبعد المشاوارت…
وإذ نؤكد على مركزية القضية الفلسطينية والدعم الراسخ للشعب الفلسطيني لنيل حقوقه الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف، وفي مقدمها حقه في الحرية والدولة المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحق اللاجئين في العودة والتعويض بموجب قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة… وعلى أن القضية الفلسطينية، شأنها شأن كل القضايا العادلة للشعوب التي تناضل من أجل الخلاص من الاحتلال ونيل حقوقها.
نقرر
- التأكيد على القرارات التي صدرت عن القمة المشتركة الأولى غير العادية في مدينة الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 م… ومواصلة التحرك، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وتعريض إسرائيل السلم والأمن الإقليميين والدوليين للخطر…
- التحذير من خطورة التصعيد الذي يعصف بالمنطقة…
- التأكيد على تنفيذ جميع القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة…
- تأكيد دعم الجهود الكبيرة والمقدرة التي بذلتها كل من جمهورية مصر العربية ودولة قطر بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية لإنجاز وقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وتحميل إسرائيل مسؤولية فشل هذه الجهود…
- دعوة المجتمع الدولي لتنفيذ جميع مضامين الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بتاريخ 19 يوليو/تموز 2024 م…
- التنديد بجريمة الاخفاء القسري التي ترتكبها قوات الاحتلال الإس ا رئيلي منذ بداية العدوان الحالي…
- الإدانة بأشد العبارات ما يتكشف من جرائم مروعة وصادمة يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة… ومطالبة مجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة…
- الإدانة الشديدة للعدوان الاس ا رئيلي المتمادي والمتواصل على لبنان…
- الإدانة الصريحة للهجمات المتعمدة لإسرائيل على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان…
- رفض تهجير المواطنين الفلسطينيين داخل أرضهم أو إلى خارجها…
- إدانة سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل…
- التأكيد على ضرورة تكاتف الجهود لتنفيذ مخرجات مؤتمر الإستجابة الإنسانية الطارئة في غزة…
- مطالبة المجتمع الدولي للتحرك بفاعلية لإزام إسرائيل احترام القانون الدولي…
- الترحيب بالقرار A/RES/ES-10/ 24 الصادر عن الجمعية العامة…
- دعوة جميع دول العالم وهيئاته التشريعية وجميع المؤسسات والمنظمات الدولية إلى الالتزام بقرارات الشرعية الدولية بشأن مدينة القدس…
- الإدانة الشديدة للإجراءات العدوانية الإسرائيلية التي تستهدف المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس…
- مطالبة مجلس الأمن باتخاذ قرار يلزم إسرائيل بوقف هذه السياسات غير القانونية…
- بدء العمل على حشد الدعم الدولي لتجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة والكيانات التابعة لها…
- مطالبة جميع الدول بحظر تصدير أو نقل الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل…
- حث المحكمة الجنائية الدولية على سرعة إصدار مذكرارت اعتقال…
- مطالبة مجلس الأمن والمجتمع الدولي اتخاذ القرارت اللازمة…
- الإدانة الشديدة للأعمال الإرهابية التي يرتكبها المستوطنون الاسرائيليون…
- دعوة الأطراف الدولية الفاعلة إلى إطلاق خطة محددة الخطوات والتوقيت برعاية دولية لإنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة…
- التأكيد على أن السلام العادل والشامل… لا يمكن تحقيقه دون انهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي العربية المحتلة…
- شكر الدول التي اعترفت بدولة فلسطين، ودعوة الدول الأخرى إلى الاقتداء بها…
- العمل على حشد التأييد الدولي لانضمام دولة فلسطين للأمم المتحدة عضوا كامل العضوية…
- إدانة الأفعال وتصريحات الكراهية المتطرفة والعنصرية لوز ا رء في حكومة الاحتلال الإسرائيلي…
- إدانة الهجوم المتواصل لسلطات الاحتلال الإسرائيلي وممثليها على الأمم المتحدة وأمينها العام…
- إدانة مواصلة تبني وإقرار الكنيست الاسرائيلي للقوانين العنصرية وغير الشرعية…
- الدعوة إلى توفير كافة أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والحماية الدولية للشعب الفلسطيني ودولة فلسطين وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية…
- دعم الجهود المتواصلة التي تقوم بها جمهورية مصر العربية لتحقيق وحدة الصف الفلسطيني…
- الدعوة إلى مواصلة تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية والاغاثية العاجلة للحكومة اللبنانية…
- الإدانة الشديدة للعدوان الإسرائيلي الغاشم المتصاعد على أراضي الجمهورية العربية السورية…
- تكليف اللجنة الو ا زرية العربية الإسلامية المشتركة… بمواصلة عملها… لتشمل العمل على وقف العدوان على لبنان…
- تكليف اللجنة الو ا زرية بالعمل على إش ا رك أكبر لجهات فاعلة أخرى… في جهود تعزيز الدعم الدولي بهدف إنهاء الحرب والاحتلال الإسرائيلي
- التأكيد على ضرورة حماية الملاحة في الممرات البحرية…
- الترحيب بتوقيع كل من جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الإفريقي في مدينة الرياض، على الآلية الثلاثية لدعم القضية الفلسطينية…
- تكليف الأمينين العامين لجامعة الدول العربية ولمنظمة التعاون الإسلامي بالتنسيق لمتابعة تنفيذ ما جاء في هذا القرار…
انتهى البيان الختماي
وأتى في هامش البيان الختامي تحفظ كل من العراق وتونس إيران على مسالة حل الدولتين لأنهم يقرون بها.
أي ان هناك فقط 3 دول، العراق وتونس وإيران تعارض حل الدولتين بينما كل بقية الدولة المشاركة تتطالب بحل الدولتين.
بعد ما يزيد عن سنة من ابادة الشعب الفلسطيني ومقاومته والمقاومة الداعمة له يأتي هذا البيان العظيم عن قمة عربية وإسلامية. بيان لا يختلف عن أي بيان صادر عن دولة عربية أخرى. بيان يعتمد على (ندين) و(نستنكر) و(نطالب)… والجميع بريء ولا يتحملون أية مسؤلية تجاه ما يجري فالمسؤلية جميعها تقع على المجتمع الدولي. حتى لم يذكر أي محاولة تلويح بفك التطبيع مع الكيان الصهيوني! كيف لا يصدر هكذا بيان والقمة العربية والاسلامية عقدت في دولة مصنفة من قبل الكيان الصهيوني على أنها مباركة؟
مشاورات ومشاورات ونقاشات ونقاشات وحوارت وحورات وعقد قمم وبيانات استنكارية ونطلب وندين ونستنكر وتنفق الملايين من الدولارات عليها كل هذا مقابل لا شيء!
بينما في الجهة المقابلة من دون انفاق ملايين، ومن دون عقد قمم ولا مشاورات، يعلن الكيان الصهيوني العمل على ضم الضفة الغربية، استكمال ابادته للشعب الفلسطيني، استكمال ارتكاب جرائمه البشعه، استكمال اعتدائه على دول عربية، ضم الاراضي العربية إلى كيانه التوسعي بلا معرضة، رفضه لأي قانون دولي أو غير دولي لا يتفق مع مخططاته الاستعمارية التوسعية. فيصبح البيان الصادر عن هذه القمة غير العادية بيان يطلب منه استكمال بما يقوم به!