في ذكرى التأسيس

محمد أنجيلة:

البدايات.. الجزء الاول

كم هو جميل أن تخوض في بدايات التأسيس لأقدم وأعرق الأحزاب السياسية في سورية.

قال الكاتب المعروف بعمق انتمائه الوطني والسياسي حنه مينه:

(أفضل لي أن تكسرني العاصفة من أن أنحني لها).

………….

محطات كفاحية تخللتها صعاب مريرة وجميلة بآن، من خلال مسيرة عمرها مئة عام

ولم تكن إلا نوعية وفريدة ومميزة بطرائق النضال الوطني والسياسي لحزبٍ مهد لسيرورة طويلة من الخبرات والتجارب الحياتية التي راكمها أعضاء هذا الحزب.

لا شك أن القوى السياسية والوطنية في سورية تكونت تاريخياً، وتمتلك مسوغات مشروعيتها الوطنية من خلال فعلها السياسي ودرجة تأثيره في المجتمع السوري.

نعم، لقد تأسس الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان في 28/10/1924.

ثلة من الشبان الطموح اجتمعوا في منزل لعائلة الشدياق. أعلنوا تأسيس حزب من طراز جديد، أسموه في البداية حزب الشعب اللبناني، للتمويه على سلطات الاحتلال الفرنسي.

وانتخبوا يوسف يزبك أول امين عام للحزب. انخرط الحزب فوراً في المعارك الوطنية والطبقية.

عام 1925م، توحدت كل المنظمات الشيوعية في تنظيم واحد، وجرت تسمية الحزب الشيوعي في لبنان وسورية. وتشكلت لجنة مركزية من الرفاق: فؤاد الشمالي، هيكازون بوياجيان، وأرتين مادويان.

وكانت قد انضمت منظمة سبارتاكوس الأرمنية للحزب.

اقام الحزب أول احتفال علني بعيد أول أيار في بيروت بسينما كريستال. سبقه توزيع بيان تضمّن: (نطلب من جميع العمال والفلاحين في هذه البلاد الشقية أن يتركوا أعمالهم ويبرهنوا للمتمولين والإقطاعيين أنهم طبقة لها الحق بالحياة الحرة كغيرها من الطبقات).

بعد الاحتفال وفي الخامس عشر من أيار من العام نفسه أصدر الحزب جريدة (الإنسانية)، وقد جرت مصادرة العدد السادس منها، بسبب تحريضها ضد المحتل الفرنسي، ومقالاتها عن الواقع الحياتي والمعيشي للشعب.

بكل شجاعة نادرة قاد الشيوعيون مظاهرات ضد المحتل الفرنسي، في طرابلس، وكان يقود المظاهرة الرفيق أحمد زكي الأفيوني. أيضاً قاد الحزب إضراب ٨٠٠ عامل في بيروت.

لقد كان احتفال سينما كريستال العمالي في بيروت أول احتفال بأول أيار في العالم العربي ولم نقرأ أو نسمع عن احتفال مماثل في المنطقة العربية. أما إبراهيم يزبك فيذكر في كتابه (حماية أول نوار) بأن اول احتفال بأول ايار جرى في بيروت على الشاطئ اللبناني عام 1907م وخطب فيه: مصطفى الغلايني.. فيلكس فارس، خير الله خير الله.

وللعلم كان خير الله من بين خطباء قاعة كريستال ويوسف يزبك وشكري البخاش أيضاً شاركوا في إلقاء كلمات ذاك الاحتفال التاريخي.

كما ألقى الشاعر إلياس أبو شبكة قصيدة (العامل الثائر)

آخر المتحدثين كان فؤاد الشمالي.

لقد برز الوجه الطبقي للحزب منذ البداية، ففي العدد الأول من جريدة الإنسانية زينت العبارة: (اتحدوا أيها العمال) صفحته الأولى. يعود الفضل في إصدار جريدة الإنسانية للرفيق يوسف ابراهيم يزبك، وقد جعلها لسان حال العمال، ومتحدثة باسمهم. وانعكست مقالات الجريدة بتنظيم العمال في نقابات مهنية. ففي عام ١٩٢٦م تم تشكيل نقابة عمال المطابع بتأثير الشيوعيين ونضالاتهم.

أيضا لم يتوانَ الحزب عن الانغماس بالعمل الوطني على نطاق واسع. فوزع بيانات دعا فيها للنضال ضد الامبريالية الفرنسية. فقامت سلطات الاحتلال باعتقال عدد كبير من اعضاء الحزب. لكن صدر قرار العفو العام عن المعتقلين السياسيين في ١٨كانون الثاني ١٩٢٨.

وخرج قادة الحزب من سجون القدموس وارواد والرقة إلى مركز الحزب.

ما يميز المرحلة السابقة هو ذلك النشاط العارم للحزب وعلى كل المستويات وبتلك الروح النضالية الوثابة.

بعد خروج الرفاق من السجن، واكتساب المهارات الحياتية والتجارب الكفاحية في العمل السياسي، تطور موقف الحزب، فأصدر وثيقة برنامجية عام ١٩٣٠م أكد فيها أن القضاء على الاستعمار يوجب أن يسود التضامن والإخاء بين الشعوب المظلومة، وإيجاد جبهة موحدة للنضال تتحد مع طبقة العمال العالمية.

واتبع الخطوات التالية في عام ١٩٣٤، فعقد في مدينة زحلة مؤتمراً لمثقفين شيوعيين وقوميين عرب. وصدر بيان عن هذا المؤتمر حمل العنوان التالي (في سبيل الوحدة العربية). تناول البيان ضرورات وعوامل التوحيد بين العرب، ورفع كابوس الاستعباد، بجهود الشعوب العربية. وطرح البيان ١٤نقطة هامة كلها تتعلق بوحدة العمل الكفاحي للعرب. والنقطة الأخيرة تقول: تدخل الدين في السياسة والدولة أساس مصائب بلادنا. فواجبنا أن نسعى لفصلهما فصلاً تاماً.

طبعاً نلاحظ التطور الفكري والثقافي لدى اعضاء الحزب من خلال الوعي التراكمي والاحتكاك النضالي السلمي.

العدد 1140 - 22/01/2025