العجز الذي كبّل العالم
وعد حسون نصر:
الفقر سبب كلّ العلل، سبب دمار الأمم، وسبب هدم الحضارات. هو السبب المباشر للموت، لقتل الطموح ولتدمير الثقة. الفقر عدو الإنسانية لأنه السبب الكامن وراء انتشار الحقد والبغضاء، وخاصة الحقد الطبقي. إن من يرى نفسه عاجزاً عن تلبية حاجاته بسبب العجز المادي، تراه يحقد على الاشخاص الأكثر اكتفاء مادياً منه ويُحمّلهم ذنب شقائه وفقره، لذلك يعتبر الفقر من أخطر الأوبئة التي طالت وما زالت تطول الحياة البشرية.
فعلى صعيد العالم مثلاً، نجد أن الدول التي تمتلك الاكتفاء الذاتي مثلما تمتلك القوة الاقتصادية والشرائية هي المُتحكّم الأبرز بزمام الأمور وإصدار القرارات والتلاعب بالاقتصاد العالمي.. لأنها تمتلك القوة السياسية والعسكرية. لم نسمع يوماً ببلد لديه اقتصاد عالمي ناهض وقوي قد تعرّض للانتهاك سواء على الصعيد العسكري أو السياسي أو الاقتصادي. دائماً نرى الانتهاكات تقع على الدول الفقيرة التي تخضع للوصاية، والكلام ذاته ينطبق على الأفراد داخل المجتمع الواحد، فالشخص الذي يمتلك المال هو ذاته من يمتلك القوة والسلطة التي تؤهله للإمساك بزمام الأمور فيتحكّم في سير الاعمال وفي الرفض والقبول. حتى داخل الأسرة الواحدة، الأخ الذي يمتلك المال هو صاحب القرار ضمن أسرته لأنه الأقوى. والكلام ينطبق على العلاقة الزوجية وعلاقة الزملاء فيما بينهم وعلاقة الموظفين والعمال داخل المؤسسات..
ولكي نعيش باستقرار داخلي علينا أن نقضي على ما يُسمّى (الفقر) عدو التقدم والحضارة والإنسانية. وتكمن الغاية من القضاء على الفقر من أجل ضمان الحياة الاجتماعية السليمة، وتحقيق المساواة بين أفراد المجتمع وكذلك بين الرجل والمرأة. فمن خلال القضاء على الفقر تتحقّق العدالة والمساواة، والأهم أننا نقضي على الجوع السبب المباشر لموت الكثيرين في الدول الفقيرة بسبب سوء التغذية، كذلك بالقضاء على الفقر نستطيع تحسين الموارد والمقومات الأساسية في البلاد من خلال تحسين مستوى ونوعية الانتاج في كل المجالات الزراعية والتجارية والاقتصادية. كذلك نضمن وجود سوق لتصريف السلع في الداخل والخارج، وتنشط حركة السياحة وغيرها من أوجه النشاطات الأخرى. إذاً، لابدَّ أن تركّز المجتمعات الإنسانية على العوامل التي تقضي على الفقر داخل المجتمع من خلال التركيز على بناء المؤسسات التي تسهم في تحسين اقتصاد الدولة، أيضاً رفع مستوى التحصيل العلمي والتركيز على الكوادر العلمية والاهتمام بالتعليم المهني لأنه مهم للجانب الصناعي، إضافة إلى الاهتمام بالصحة النفسية للأفراد، لأن سلامة العقل أهم جانب لتطوير الذات البشرية وبالتالي لتطور الأمم. أيضاً، الاهتمام بالجانب الثقافي لأنه عامل مهم برفع مستوى وعي الأمة من خلال الاهتمام بالكتّاب والكتاب والأدمغة..
كلما كان الاهتمام بالجانب الإنساني وبالإنسان أكثر، قضينا على المُنغّصات التي تلحق بالبشرية، لذلك فإن تعزيز مكانة الفرد بالمجتمع من أهم عوامل الإبداع والعطاء والتطوير. ومن هنا نرى أن مجتمعنا السوري للأسف بات اليوم أكثر هشاشة من مختلف النواحي، ما جعله مُستباحاً بسبب عجزه وفقدانه لأدنى مقومات الحياة، وهجرة شبابه وأدمغته بسبب الأزمة والحرب التي عزّزت تفشّي الجهل والبطالة، وتَهدّم البنية التحية التي أدت الى فقر شديد مدقع. هذا العجز دمّر حضارتنا وبالتالي دمّر الإنسانية، دمر الحياة البشرية.. وأحلامنا بدّدها الحقد الطائفي والطبقي!
ولكي ننهض من جديد لابدَّ أن نقضي على الفقر الكامن داخل البيوت، نقضي على البطالة بين جيل الشباب ، نهتم بالجانب الفكري نهتم بكبار السن الأكثر حاجة للدعم النفسي والمعنوي والمادي، والأهم نقضي على الفقر بالحب المفقود بسببه كي نبني الإنسان.