النصر الواهم هزيمة حقيقية

د. أيمن أبو الشعر:

الرئيس الروسي يزيد من تعداد الجيش الروسي فأصبح 2 مليون و400 ألف فرد، بينهم مليون ونصف المليون تحت السلاح.

 

مغامرة بثمن باهظ

تحمل المغامرة التي قام بها الرئيس الأوكراني بتشجيع من قيادات بعض الدول الغربية طابع مغامرة حقيقية، وذلك في الهجوم على مقاطعة كورسك الروسية، والذي بدا بمثابة الإرهاصات الأولى من مخطط أطلق عليه تسمية (مخطط النصر) الذي يزمع الرئيس زيلينسكي عرضه على الحلفاء قريباً، ويتزايد الاعتقاد بأن جوهر هذا المخطط يتعلق بطلب تقديم مزيد من الأسلحة الهجومية والصواريخ بعيدة المدى، والسماح لكييف باستخدامها لضرب عمق الأراضي الروسية، الأمر الذي سنتناول حيثياته بعد قليل، ولكن لنتمحص ما يعتبره زيلينسكي نتائج إيجابية لهجوم القوات الأوكرانية على كورسك واقتحام الأراضي الروسية، فقد تمت السيطرة على جزء يودّ زيلينسكي أن يكون بمثابة ردّ ندّي على سيطرة القوات الروسية على 20% من الأراضي الأوكرانية، وهي في الواقع أراضٍ روسية تاريخياً. وسيكون ثمن هذه المغامرة باهظاً جداً، كما سنرى.

 

في الحيثيات

أولاً_ إن ما تمكنت القوات الأوكرانية من السيطرة عليه في مناطق حدودية مسالمة، لا يمكن مقارنته بما سيطرت عليه القوات الروسية، واستعادت انتماءه لروسيا الاتحادية، وإذا أخذنا بمقاييس النسبة (مقابل 20%) بعين الاعتبار، فإن هذه المقارنة ستذكرنا بالنكات والطرائف حول النملة والفيل، إذ تشكل الأراضي الروسية التي سيطرت عليها القوات الأوكرانية ما يعادل (0.0058563781) أي أقل من خمسة من عشرة آلاف بالمئة!

ثانياً_ إن الهدف المعلن والمقصود تحديداً هو إبطاء تقدم القوات الروسية في دونيتسك ودفعها إلى سحب قسم من قواتها من شرقي أوكرانيا، وتحويلها إلى منطقة كورسك، ولكن ما الذي جرى على أرض الواقع؟

الذي جرى أن القوات الأوكرانية قامت بتشتيت قدراتها بنفسها، فقد أضعف هذا الهجوم قدراتها الدفاعية في دونباس ما أتاح للقوات الروسية تحقيق انتصارات أوسع، وتحرير العديد من البلدات في دونيتسك خلال الفترة المنصرمة من 6 آب (أغسطس) حتى منتصف أيلول (سبتمبر)، هذا من جهة، من جهة ثانية باتت القوات الأوكرانية في جيب مغلق، وراحت الطائرات والصواريخ الروسية تدكها باستمرار ما تسبب بخسائر إضافية غير الخسائر اليومية في خطوط الجبهة التقليدية، وحسب معطيات الدفاع الروسية أواسط أيلول (سبتمبر) فإن خسائر القوات الأوكرانية في كورسك وحدها باتت تقارب 14000 قتيل، فضلاً عن تدمير مئات المدرعات والعربات والمدافع وقرابة 120 دبابة ثقيلة معظمها غربية الصنع، وهنا يتذكر البعض أن قائد الجيش الأوكراني السابق زالوجني كان حسب العديد من المصادر معارضاً لهذا المخطط واعتبر أنه مغامرة متهورة، بل مقامرة بحياة الجنود الأوكرانيين، وتشير آخر الأنباء إلى أن حاكم مقاطعة كورسك طالب سكان القرى الحدودية التي تقع على بعد 15 كيلومتر أن تخليها لضمان الأمن، والأمر لا يتعلق باحتمال أن تشن القوات الأوكرانية هجوماً توسعياً في كورسك، بل لكيلا تربك القوات الروسية المتقدمة لأن عملية تحرير هذا الجيب قد بدأت عملياً، وجرى تحرير بلدتين في هذه المنطقة وهما أوسبينوفكا وبوركي، والحبل على الجرار.

 

مشاريع توريط الغرب في حرب عالمية

نعود إلى ما يسميه زيلينسكي (مخطط النصر) فهو يستعد لحزم حقائبه للسفر في رحلة جديدة إلى واشنطن قد تجري خلال أسابيع قليلة، وهدفها الأول إقناع الرئيس بايدن بضرورة إعطائه الضوء الأخضر في استخدام صواريخ (أتاكمز) لضرب العمق الروسي، وضمان عدم احتجاجه على استخدام صواريخ غربية أخرى ليست من صنع أمريكي لهذا الغرض، حسب صحيفة (بيلد) الألمانية، والمقصود بالدرجة الرئيسية صواريخ (ستورم شادو) البريطانية.

المعروف أن بريطانيا وفرنسا متحمستان لمثل هذا الانعطاف، لكن الولايات المتحدة وألمانيا لا تزالان مترددتين، حتى أن المستشار الألماني شولتس أكد أنه لن ينصاع لمثل هذه الخطوات حتى لو اتخذتها دول أخرى، وزيلينسكي يقصد رأس الهرم – واشنطن، فيما إدارة بايدن لا تزال مترددة لأنها تدرك جيداً أن قراراً من هذا النوع يعني الدخول في حرب مباشرة مع روسيا قد تعني إشعال الحرب العالمية وفناء الجميع، وبمثل هذا القرار تكون واشنطن قد ورطت جميع الدول الناتوية بهذه الحرب القاتلة، لماذا؟

 

الأسباب واضحة

بكل بساطة  لأن الرئيس الروسي أوضح بشكل ساطع تماماً أن مثل هذه الخطوة ستعني المشاركة الفعلية في النزاع الأوكراني، أي الدخول في الحرب مباشرة، صحيح أن الغرب كان يمد أوكرانيا بمختلف أنواع الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ التي يبلغ مداها 300 كم، لكن الأمر لم يكن يحتاج إلى أن يقوم الخبراء العسكريون الأمريكيون بتحديد مسار الصواريخ نحو أهدافها في عمق روسيا، من هنا فإن وافق بايدن على مخططات زيلينسكي عليه أن يوافق على مساهمة الأقمار الصناعية الأمريكية بتحديد الإحداثيات والمسارات بدقة، ذاك أن القوات الأوكرانية لا تملك الوسائل التقنية لتحديد مسار الصواريخ نحو أهدافها المفترضة،  وإن كان بعض ضباط وخبراء الناتو يعملون مع القوات الأوكرانية ويساعدونها في عملياتها العسكرية، فإن ذلك يتم تحت غطاء تطوع المرتزقة، وأن الدول التي ينتمي لها هؤلاء العسكريون ليست منخرطة في الحرب، أما استخدام معطيات الأقمار الصناعية، فهذا لا يتم عبر المرتزقة بل عبر الاخصاصيين الأمريكيين والغربيين. الواضح حتى الآن على أقل تقدير، استناداً لخبر استعداد زيلينسكي للسفر إلى واشنطن عله يحصل على موافقة بايدن باستخدام الصواريخ الغربية لقصف عمق الأراضي الروسية، أن وزير الخارجية الأمريكية بلينكن لم يسمح لأوكرانيا بقصف عمق الأراضي الروسية خلافاً لما ذكرته بعض مصادر الأنباء.

طبعاً سيحاول زيلينسكي الاعتماد على بعض المعطيات الدعائية غير الدقيقة، والتي تنطلق من أن موسكو سبق أن هددت برد حاسم إن قدم الغرب الدبابات الثقيلة، وكذلك الصواريخ قصيرة المدى وطائرات أف 16 إلا أن روسيا لم تفعل شيئاً، وهذا أمر مغلوط، فقد حذرت موسكو من أن إمداد كييف بكميات كبيرة من الأسلحة لن يغير شيئاً من الواقع الميداني، بل سيطيل أمد الحرب وحسب، وأن هذه الأسلحة ستغدو أهدافاً مشروعة للقوات الروسية، وهذا ما حدث فعلاً حتى أن العديد من الأسلحة الغربية المدمرة، أو التي تم الاستيلاء عليها موجودة في معرض الغنائم في موسكو أمام الزوار.

 

في الختام

أخيراً لا بد من الرد على من يقول: (ولكن روسيا هي التي بدأت بالهجوم!)، لا، هذا غير دقيق بتاتاً، فقد بدأ النازيون الجدد بالهجوم على الروس في دونباس منذ الانقلاب عام 2014 ، واستمر القتل والقصف على السكان الروس الذين منعوا حتى من التحدث بلغتهم الأم ثماني سنوات متلاحقة، وقام الغرب بخديعة ماكرة فيها الكثير من النذالة، حين أوحى برغبته في السلام، ومرت سنوات مفاوضات صعبة توصلت إلى اتفاقيات مينسك التي رفضت كييف تنفيذها، ثم اعترف القادة الغربيون أنهم ضمنوا هذه المعاهدة كسباً للوقت، لكي يتم تسليح أوكرانيا بما يسمح لها بمقارعة روسيا، هذا هو الهدف الحقيقي، الغرب يريد زرع دولة نازية تأتمر بأمره في الخاصرة الغربية لروسيا ، وروسيا لن تقبل بذلك بحال من الأحوال، والغرب مصرّ (كداعر شرّير) أن يستمر بمقاتلة روسيا لا بجنوده بل حتى آخر جندي أوكراني!

العدد 1140 - 22/01/2025