على جدران الذاكرة

يوسف فرحة:

تحفر المشاهد المأساوية نقوشها على جدران الذاكرة، في حين ترسم السعادة صورها بألوان زاهية، تمطر سحب الزمن وتهطل الأمطار على الجدران، تأخذ معها الألوان وتبقى لنا النقوش.

بمناسبة انعقاد المؤتمر الرابع عشر لحزبنا الشيوعي السوري الموحد، وبالتوافق مع الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي السوري اللبناني عام ١٩٢٤، أتحدث عن فترة زمنية من عملي الحزبي والنقابي في اتحاد عمال محافظة حمص وعضوية مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية، وعن عمل المكتب النقابي المركزي التابع للحزب.

انتسبت الى الحزب الشيوعي السوري عام ١٩٦٥، عندما كنت أدرس في الثانوية الصناعية الأولى بدمشق، حيث تعرفت على بعض الرفاق الطلاب، ومنهم وهبة العيسى (من حوران) ومحمود شحود ومحمد شعبان (من حي الأكراد الدمشقي)، وانتُخبت للعمل في اللجنة الثقافية التابعة لاتحاد الطلبة في الثانوية محرّراً في جريدة الحائط المدرسية.

تعرفت على الرفيق صالح جوهرة، وكان له مكتب ومحل لبيع المواد الغذائية في شارع البرلمان، والرفاق علي الشاطر وإبراهيم زعير من السلمية.

– كانت نكسة حزيران عام ١٩٦٧ أول الانكسارات التي عشتها في دمشق، حيث كنت أشاهد طائرات العدو الإسرائيلي تغير على مطار المزة، وعلى خزانات الوقود في عدرا. ساهمت مع الطلاب في المظاهرات أمام السفارة الأمريكية – تطوعت في الجيش الشعبي واستلمت السلاح وكُلّفت مع عدد من الطلاب بحراسة مؤسسة الكهرباء جانب مبنى محافظة دمشق التي كانت تبيت فيها (ترامواي) دمشق، وزعت خلالها أول بيان للحزب هناك.

–  بعد التخرج عملت في منظمة سلمية عضواً في اللجنة الفرعية للحزب، مع الرفاق رسلان حلاق علي زيد ويونس الخطيب لمدة سنتين تقريباً، وكان يشرف على عمل الفرعية الرفيق محمد الجاجة (أبو حيان) من حمص حتى وجدت فرصة عمل في إنشاء وتركيب وتشغيل مصنع السماد الآزوتي، أول معامل الشركة العامة للأسمدة بحمص عام ١٩٦٨، وعُيّنت رئيساً لورشات تركيب آلات الأقسام الإنتاجية، وعملت مع رفاقي في منظمة سرية للحزب كان يقودها بسام عبد الحق، الذي ترك التنظيم بعد فترة.

– أوفدتني الشركة إلى إيطاليا عام ١٩٦٩ للتدرب على تشغيل وصيانة وحدة إنتاج الأمونيا السائلة اختصاص عامل تشغيل وصيانة الضواغط الغازية – عملت مع الرفاق: المرحوم حاتم السباعي – عبد المسيح حنا – غطاس طعمة – فاروق الجمالي – أسامة بيطار – غياث رسلان – الرفيقة المرحومة فاديا الإخوان – الرفيق صفوان دراق السباعي – والرفيق نادر البني.

– تطورت منظمة الأسمدة وأصبحت فرعية عمالية قوية تنظيمياً وسياسياً – أذكر من الرفاق في المنظمة: مصطفى الأحمد، سمير حنا، جوزيف إبراهيم، رفعت الصباغ، إلياس رومية، هايل الشبلي، منجد الصالح، حسن الصالح، سليمان محمد، أحمد الصاج، حكمت خليل، آصف غانم، بسام الشيخة، سعيد خاشوق، مروان شندين، عبد العزيز الصالح، أديب الحلبي، محمد شيخ السوق، وآخرين. حافظنا على عدد من الرفاق السريين الذين قدموا للمنظمة مهمات ساهمت بتطوير عملنا، لا سيما في المجال النقابي والعلمي والقانوني.

– أوائل عام ١٩٧١ نُدبت من خدمة العلم بقرار من رئيس الجمهورية إلى الشركة العامة للأسمدة بحمص لتشغيل وحدة إنتاج الأمونيا السائلة، وفي عام ١٩٧٣ استلمت العمل مكان أحد الخبراء الإيطاليين في تشغيل ضواغط الغاز عالية الخطورة استطاعة ٢٤٠٠ ك واط وضغط الغاز ٥٨٠ كغ / سم٢، ثم كلفت رئيساً لوردية إنتاج الأمونيا.

– خلال حرب ٧٣ كانت فترة عصيبة بعد قصف إسرائيل أكبر عنفة إنتاج في شركة توليد قطينة للكهرباء جانب شركتنا وشركة مصفاة حمص – قمنا بحراسة شركة الأسمدة وشركة الكهرباء ومحطة التحويل.

– ثم جاءت فترة الأحداث أواخر السبعينيات وحتى منتصف الثمانينات من أقسى وأخطر المراحل التي مرت علينا: خوف من الاغتيال ومن الأمن، وكان التحدي في كل خطوة وكأننا نسير في حقل ألغام، ورغم ذلك وزعنا ألف نسخة من بيان الحزب على مداخل الشركة – رغم الظروف الأمنية الخطيرة التي كانت في ذلك الوقت.

– هُدّدت شخصياً من عناصر من الإخوان المسلمين، ثم عبر رسالة أُرسلت باسمي من عمّان الزرقا، بقصد أن تقع بيد الأمن بعد صدامي معهم.

 

أوائل عام ١٩٨٠ الى عام ١٩٨٥ كانت فترة نضال متميزة لمنظمة حمص لاسيما فرعية الأسمدة، فقد ساهمنا في انتخابات مجلس الشعب لصالح الرفيق المرحوم موريس صليبي وتمكّنّا من الحصول على أصوات عمالنا في شركة الأسمدة، وصلت إلى ٣٧٣ صوتاً من أصل ١٤٠٠ صوت – وفي أوائل عام ١٩٨١ أصدرت إدارة الشركة قراراً بوقف دفع تعويض نسبة الإنجاز ١٥% من الراتب لعمال أقدم معامل الشركة. تدارسنا الوضع مع الرفاق وانضم الينا عدد من الرفاق البعثيين الأعضاء العاملين، فعملنا عريضة نحدد فيها طلب إعادة منح تعويض الإنجاز للعاملين، إضافة إلى مطالب تحسين نوعية الألبسة والأحذية العمالية وقرّرنا الاعتصام في المعمل مع التأكيد على الحفاظ على العملية الإنتاجية دون أي توقف من قبل الوردية العاملة – حضر العمال من الورديات الأخرى من بيوتهم حتى وصل العدد إلى حوالي ٣٠٠ عامل، طلبت من رئيس اللجنة النقابية الحضور لكنّه تهرّب من الحضور، فوقفت بين العمال وأعلنت أننا ضد الإخوان المسلمين ومع زيادة الإنتاج، ونبهت من أي عملية تخريبية قبل أن ننطلق الى غرفة المدير العام، وهناك كان التجمع وبعد جدال اخترنا خمسة للحوار معه، ولم نخرج إلا وقد حصلنا على كلّ مطالبنا، لقد كان عرساً حقيقياً فعلى أثر هذا الاعتصام جاءتنا طلبات انتساب هامة.

– عام ١٩٨٥ صدر قانون العاملين الأساسي رقم ٥٠، شكّلنا لجنة لدراسته قبل نفاذه من الرفاق حاتم السباعي وكان عضواً في نقابة عمال المواد الكيماوية، وعزيز غريبة، ونادر البني وأنا وأحد الرفاق السريين الذي كان يدرس في كلية الحقوق، وضعنا الملاحظات على مواد القانون مع اقتراح التعديلات الضرورية مادّةً مادّة، رُفعت إلى الحزب وإلى الاتحاد العام لنقابات العمال حيث أُخذ بمعظمها.

– مثلت الحزب منذ السبعينات في عضوية اللجنة النقابية ثم مكتب نقابة عمال المواد الكيماوية، وفي عام ١٩٩٨ انتخبت إلى عضوية المكتب التنفيذي لاتحاد عمال حمص.

– تأسيس المكتب النقابي العمالي التابع للحزب في حمص من الرفاق: جميل الشيخ عثمان، عزيز غريبة، حاتم السباعي، يوسف فرحة – ثم اللجنة العمالية من الرفاق نادر طويلة، فرحان حلواني، منصور أتاسي، يوسف فرحة، وتشكيل فرق نقابية تابعة لها من الرفاق والرفيقات النقابيين ممثلي الحزب في كل التجمعات العمالية في حمص حسب القطاعات: القطاع الإنشائي – القطاع الصناعي – القطاع الخدمي – القطاع الصحي – كان جدول أعمالها يقتصر على متابعة العمل النقابي فقط – حاولت اللجان المنطقية إدخال الوضع السياسي في جدول عمل هذه اللجان، اعتذر المكتب النقابي عن ذلك مما أنجح عملنا بين العمال بشكل جيد – كان المكتب النقابي يقدم موضوعات تثقيفية للنقابيين وعن تاريخ الحركة العمالية إلى جانب متابعة المهام النقابية في كل تجمع قبل أن يتم توسيعه، ليكون المكتب النقابي العمالي المركزي على نطاق الحزب بقيادة الرفيق إبراهيم بكري، ثم الرفيق يوسف نمر، لروحيهما السلام

– في منظمة الحزب في شركة الأسمدة بحمص صرنا نوزع ٢٠٠ عدد من جريدة الحزب (نضال الشعب) السرية علناً في كل أقسام ومكاتب الشركة. كتبت في العدد رقم ١٣٠ مقالاً موسعاً عن حالات فساد في الشركة، تضمّن أرقاماً دقيقة بالملايين – وضع العدد أمام رئيس مجلس الوزراء وطلب رئيس مكتب النقابة ومن الاتحاد العام ليسألهم عن صحة ما جاء فيه من وقائع وأرقام فأكدوا له صحة ما جاء فيه، فقام بعزل المدير العام للشركة – وتنفيذاً لشعارات الحزب تلك الفترة محاربة البرجوازية الطفيلية عام ١٩٨٢ علمت من أحد مهندسي الشركة الوطنيين المهندس غياث حاكمي أن هناك مشروع إعطاء تعهد تنفيذ تمديد خطوط للوصل بين كل أقسام الشركة ووحدة معالجة المياه الملوثة، ثمانية خطوط من قطر ١٤ إنش إلى واحد إنش على ارتفاع ستة أمتار على سكيدات معدنية لمتعهد من القطاع الخاص بقيمة مليونين ونصف المليون ليرة سورية، طرحت عليه فكرة التنفيذ من قبلنا مقابل مكافآت هامة تعهّدت أمامه بالعمل على تأمينها حتى من الوزير، وبعد موافقته أن يكون المهندس المشرف على التنفيذ – دخلت الى مكتب اللجنة النقابية وعملت عدة كتب إلى السيد المدير العام، وإلى المدير الفني، وإلى مكتب نقابة عمال المواد الكيماوية، مضمونها أن عمالنا قادرين على تنفيذ هذا المشروع مقابل مكافآت مجزية تُمنح لهم، وكانت معركة حقيقية نفّذنا المشروع بإشرافنا دون أيّ متعهّد، استطعت رغم المضايقات من كل الانتهازيين من النقابيين أو الإداريين الذين حاولوا عرقلة تنفيذ هذا المشروع الهام الحصول على مكافآت بلغت قيمتها في ذلك الوقت أكثر من ٢٥٠ ألف ليرة سورية لعشرات العمال ورؤساء الورش وسائقي الروافع، أذكر منهم للتاريخ محمد علي العوير، محمد سعيد شيخ السوق، ماهر إيبو، يوسف فليطاني (أبو طالب) زكور أحمد الصاج، والرفيق الرائع سائق الروافع الذي علّمني على قيادة الروافع المختلفة من حمولة سبعة أطنان إلى ٢٥ طناً الرفيق ميخائيل يعقو (أبو جان) وآخرين كانوا قمة في الوطنية والأخلاق كتبوا على غرفهم – (العمل شرف الإنسان) إنهم عمالنا الرائعون الذين نعتز بهم.

كلفت رئيساً لصيانة قسم شحن السماد عام ١٩٨٠ فقمت بمساعدة عمال القسم ورؤساء الورش بتعديل الميازين العصب الرئيسي في القسم، وتوفير أكثر من مليوني دولار، وتحديث الجرافة الرئيسية وتغيير قسم كبير من الخطوط، أمكن خلالها رفع الطاقة الإنتاجية من عشرة آلاف طن الى ١٤ ألف طن شهرياً، أذكر من هؤلاء أبطال العمل: سميح البارودي، شاكر الحصني، سليمان المصري، والبيطار، وآخرين، وكنت أمين اللجنة الفرعية لمنظمة الحزب وعضو اللجنة النقابية، مما أزعج السلطات الأمنية، فحرضوا البعض على كتابة تقرير كيدي بحقي، اعتُقلت على إثره بتاريخ ١٤ شباط ١٩٨٥ حتى تاريخ ٣١ تموز، تعرفت خلالها على عدد من معتقلي حزب رياض الترك، ومن حزب العمل الشيوعي والإخوان وحزب التوحيد الإسلامي، فقد استقبلوني بترحاب الشامتين، بصفتي عضواً في حزب من أحزاب الجبهة الوطنية. منذ أن انتخبت لعضوية اللجنة المنطقية في حمص عام ١٩٨٦ كانت المعضلة الأساسية في حياتي الحزبية نتيجة ظروف التكتلات والصراعات للأسف كانت بعيدة عن المبدئية والشفافية في العمل الحزبي، لم أعهدها في العمل الحزبي في حياة الفرق والفرعيات المختلفة، كانت نتيجة الاصطفافات هنا وهناك – رسبت في أحد مؤتمرات المنطقية وكنت العامل الوحيد المرشح ذلك الوقت، وبعد اعتراض الرفيق عضو المكتب السياسي أعيد الانتخاب ونجحت!

على أبواب المؤتمر السادس زارني في بيتي الرفاق قدري جميل وابراهيم زعير وطلبوا مني حضور المؤتمر السادس عندهم، اعتذرت التزاماً بالنظام الداخلي – عشت صراعاً مع ذاتي تجاه مواقف الرفاق وخلافاتهم، وتعرضت للكثير من المواقف والأوضاع المختلفة انعكست على عملنا الحزبي والسياسي سلباً

– على الصعيد النقابي العمالي انتخبت لعضوية المكتب التنفيذي لاتحاد عمال حمص عام ١٩٩٨ كلفت بالعمل في أمانة الشؤون الاقتصادية والقانونية، فكنت أحضر معظم المجالس الإنتاجية في الشركات والمؤسسات العامة، واستطعت من خلالها الاطلاع على واقع هذه الشركات والصعوبات التي تعترض العمليات الإنتاجية، وجرى اقتراح الحلول المناسبة من خلالها أيضاً. واكتشفت وفضحت حالات فساد كبيرة في بعض الإدارات الفاسدة، ومنها الشركة العامة للفوسفات، مديرية النقل، وشركة سكر حمص، والأسمدة وغيرها بملايين الدولارات.

– وعلى الصعيد العمالي كان عدد عمال محافظة حمص أكثر من ٦٣ ألف عامل وعاملة، جرى متابعة معظم أوضاع العاملين ومطالبهم والعمل مع كل الجهات لحلّها.

– تطور عمل المكتب النقابي المركزي التابع للحزب، وكنت مسؤولاً عنه بإشراف الرفيق يوسف نمر بشكل مميز، فقد كنا ممثّلين للحزب في عضوية مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية ثلاثة رفاق: الرفيق الراحل رفيق ضاهر، والرفيق علي ريّا، والرفيق يوسف فرحة. والحقيقة وللأمانة كانت مداخلاتنا تعكس بشكل جريء سياسة الحزب في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة السورية، وظهر ذلك واضحاً في المؤتمر العاشر للاتحاد العام للنقابات عام ٢٠٠٥، فقد تصدّينا وجهاً لوجه للدردري (نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية) عندما أعلن عن التوجهات الاقتصادية الليبرالية – ويذكر للمكتب النقابي المركزي التحضير وتنفيذ أكبر احتفالات بعيد الأول من أيار عيد العمال العالمي في كل من محافظة اللاذقية ومدينة الطبقة حيث شارك أكثر من ١٥٠٠ عامل وعاملة من كل مناطق سورية كان عرساً وطنياً وعملاً جماهيرياً مشهوداً.

 

١٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٤

العدد 1140 - 22/01/2025