أوطان أضاعت شبابها ففقدوا الشعور بالانتماء
إيمان أحمد ونوس:
غالباً ما تتسم العلاقة ما بين الحكومات والشباب بالإهمال واللامبالاة (رغم أن الحكّام غالباً ما يأتون للحكم في سنّ الشباب)، والسبب يكمن ربما في التجاذبات والإشكاليات التي تكتنف تلك العلاقة التي لا شكّ تسودها التبادلية ما بين النُظُم التي لا ترغب إشراك الشباب فعلياً في الحكم لأنها تخاف التجديد، وشباب يعيش حالة من عدم الثقة والعبثية بسبب إقصائهم حتى عن الخطط والبرامج التنموية الخاصة بهم. ومع مرور الزمن، واستحداث أساليب حكومية لتقييد حركة وحيوية الشباب انقلبت المعادلة وصار الشباب هم الذين يخافون حكوماتهم أكثر.
وما اليأس واللاّمبالاة التي تلفُّ شبابنا وتجرفهم باتجاهات سلبية، إلاَ بفعل تهميشهم بل وتجاهلهم وعدم الالتفات إلى همومهم وطموحاتهم واحتياجاتهم، وكذلك عدم ثقتهم بأنفسهم وشعورهم بالفشل والخيبة، ورفض بعضهم الاعتراف بإمكانياته وقدراته، متنحّياً ومستقيلاً من مسؤولياته بإرادته، لأنه مُغيّب قسراً لا بسبب من طبيعته وتكوينه، بل لأنه ضمن مجتمع لا هوية له أصلاً لاسيما في ظلّ حروب تجتاح معظم البلدان النامية التي تتصف بارتفاع نسب أعمار الشباب فيها قياساً لعدد السكان.
وانطلاقاً ممّا ذُكر أعلاه، ومن إيمان المجتمع الدولي بأهمية الشباب في مختلف عمليات التنمية والتعليم والتطور اللاحق للمجتمعات البشرية، أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1999 12 آب يوماً عالمياً للشباب. وقد صرّح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بأن موضوع اليوم الدولي للشباب يُسلّط الضوء على الطرق التي يُحدِث بها صوت الشباب وعملهم فارقاً في حياتنا، وتابع قائلاً: (لقد أحدق الخطر ببنيان جيل بأكمله، وانحرف مسار أبنائه وهم يخطون خطوات وليدة نحو البلوغ وتشكيل الهوية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، كما تفاقمت أوجه الهشاشة التي يعاني منها الشباب اللاجئين والمشرّدين ممّن تحاصرهم النزاعات والكوارث).
ولأن سمة العصر هي الحروب والكوارث والنزاعات لا يسعنا إلاّ أن نتذكّر القرار الأممي رقم 2250 الصادر عن مجلس الأمن نهاية عام 2015 إدراكاً منه أن جيل الشباب اليوم يضمّ أكبر عدد في تاريخ البشرية، فهم غالباً ما يُشكلون النسبة الأكبر في المجتمع، ما يتطلّب الاستثمار في بناء قدراتهم ومهاراتهم على نحو يستجيب لمتطلبات سوق العمل. ولأن أولئك الشباب أيضاً يشكلون الغالبية المُتضرّرة في النزاعات والحروب، يعترف القرار المذكور بالدور الهام الذي يمكن للشباب أن يضطلعوا به كقدوة مجتمعية في محاربة التطرف والعنف اللذين يُفضيان إلى عرقلة التنمية بمختلف مستوياتها واتجاهاتها، وذلك عبر مشاركتهم الضرورية في الحياة السياسية والاقتصادية خاصة، وصولاً إلى إسهامهم في بناء السلام خلال الحروب وبعدها من خلال نزع السلاح والتسريح وإعادة إدماجهم في المجتمع مع مراعاة احتياجاتهم الخاصة بعد الحرب.
كل هذا يتطلّب من الحكومات دعم المنظمات ذات القيادات الشبابية، وتلك المعنية ببناء السلام باعتبارها شريكة في برامج تنظيم المشاريع الشبابية الحرة. وكذلك وضع سياسات خاصة بالشباب كتمثيلهم في مواقع صنع القرار على جميع المستويات في المؤسسات المحلية والوطنية والإقليمية. مثلما يقتضي ضمان حقوقهم كافة وتوفير الحماية لهم من مختلف أشكال العنف الجنسي. فالشباب الذين أضاعتهم بلدانهم، وفقدوا الرغبة والقدرة على الانتماء لا يرون طريقاً آخر غير العبث والاستهتار أو الهجرة!!؟ لذا، لم يعد أمام تلك المنظمات الدولية الراعية، وأيضاً الحكومات المحلية إلاّ الاهتمام بأولئك الشباب وتلبية احتياجاتهم كافة لأنَّهم الأساس في إعادة البناء والإعمار لاسيما بناء الإنسان.
ولكن، بعد كل هذا، هل التفتت حكوماتنا إلى تلك الثروة الوطنية الهامة/ الشباب، والتي تُضاهي بقيمتها كل الثروات التي يتمتّع بها الوطن!؟ هل عملت الحكومات حقيقة على الاستثمار في الإنسان لاسيما الشباب خاصة ونحن ما زلنا نكتوي بلهيب حرب لم تنتهِ ولم تزول آثارها بعد؟؟؟
إن المتتبع لواقع الشباب السوري اليوم، يلمس الإهمال والتهميش الذي يُعانيه أولئك الشباب إلاّ فيما يلبي رغبات ورؤى الحكومة في التعامل معهم، وأن تلك الحكومات لم ترَ في قضاياهم وإشكالياتهم سوى شعارات إنشائية برّاقة تقبع في خانة الأمنيات من خلال مفردات مستقبلية لم تجد لها في الواقع الحكومي صدىً يليق بمعانيها ومدلولاتها، فالبطالة عنوان مستقبلهم، وعليه فهم مقيّدون عن أيّ من طموحاتهم وتطلعاتهم لبناء مستقبلهم الشخصي أو العام بما يُؤهلهم ليكونوا شركاء حقيقيين في صياغة مستقبل سورية وإعادة بنائها على أسس المساواة بين الجميع وإتاحة الفرص أمام الشباب ليساهموا حقيقة بما يُطلب منهم، إذ لم نجد على مدى سنوات الحرب وحتى اللحظة إلاّ البرامج التأهيلية والتنموية التي لم تجد لمتابعيها عملاً يليق بهم، كما أننا لم نلمس اهتماماً جديّاً بإشراك الشباب في الحياة السياسية والاقتصادية رغم ضرورة هذا في المرحلة الراهنة من تاريخ سورية.
إن تمكين الشباب من المشاركة في الآليات السياسية الرسمية يزيد من عدالة العمليات السياسية ويسهم في صنع سياسات أفضل وأكثر استدامة، فضلاً عمّا له من أهمية رمزية يمكن أن تسهم في استعادة الثقة ما بين المؤسسات العامة وجمهور الشباب تحديداً، إضافة إلى أن التحديات التي تواجهها الإنسانية حالياً تحتاج جميعها إلى عمل عالمي متضافر ومشاركة شبابية فاعلة وهادفة، فأين شبابنا من كل هذا في أجنداتك، يا حكوماتنا الموّقرّة؟!