سردية العنف الأمريكية
د. صياح فرحان عزام:
هناك مثل عربي يقول: (الضربة التي لا تقتلك تقوّيك)، ويقول مثل آخر مشابه في المعنى تقريباً: (رب ضارة نافعة).
هذا ما ينطبق على الرئيس الأمريكي، والمرشح الحالي للانتخابات الجديدة في تشرين الثاني القادم دونالد ترامب الذي تعرض مؤخراً في 13/7/2024 لمحاولة اغتيال أصيب على أثرها بأذنه، عندما نشرت صورة لذلك والدماء تنزف منها.
يقول باحثون ومتابعون للسياسة الأمريكية ولحملات الانتخابات الجارية والتنافس بين المرشحين الجمهوري ترامب والديمقراطي الرئيس الحالي بايدن.
يقولون إن هذه الإصابة قد تغيّر مسار المعركة الانتخابية لمصلحة ترامب، بعد الإدانة الواسعة لها من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والإدانة الدولية والمحلية أيضاً.
ولكن بشكل عام تدل الحادثة بوضوح على حالة الانقسام الحادة داخل المجتمع الأمريكي، هذا الانقسام الذي لم يعد هناك مجال للتستر عليه أو إنكاره، وبالتالي أصبح جلياً أنه ما من دولة تضاهي الولايات المتحدة الأمريكية في عدد عمليات اغتيال الرؤساء فيها، فقد أدت تلك العمليات إلى قتل أربعة رؤساء، فيما نجا آخرون أحدثهم ترامب. إن سردية الاغتيال هذه تصلح أن تكون رواية من روايات أدب العنف إذا كان للعنف أدب، كما أنها تشكل إرهاباً حقيقياً على مستوى رؤساء أمريكا، إذ لم يقتل أربعة منهم فقط كما أشرنا قبل قليل، بل جرى إطلاق النار على ثلاثة عشرة رئيساً نجوا من الموت..
إنه عنف مسلح يطول رأس الدولة الأمريكية على شكل ظاهرة متسلسلة ومنتظمة منذ القرن التاسع عشر إلى اليوم.
بطبيعة الحال، الرئيس السابق ترامب سيستغل الحادث لصالحه في محاولاته لتأكيد مظلوميته لدى الشعب الأمريكي- كما يقول، التي بدأت بمحاكمته في عدة تهم وصلت إلى 94 تهمة وجهت إليه، مؤكداً أنها جزء من مؤامرة كبيرة ذات طابع سياسي لمنعه من الوصول إلى مقعد الرئاسة في البيت الأبيض، مؤامرة يتزعمها ويديرها الرئيس الحالي بايدن الذي عمل على تسخينها مؤخراً.
وقد لوحظ أن ترامب تمالك نفسه بعد إصابته، وأخذ يحيي مؤيديه بقبضه يده والدم ينزف من أذنه، معتبراً أنه يتعرض لمحاولات اغتيال سياسي.
لا شك أن أسباب هذا العنف ناجمة في جزء منها عن قناعات إيديولوجية، منها ما هو شعبوي يتعلق بتفوق العنصر الأبيض، ومنها ما هو ناجم عن التفرقة والتمييز العنصري، علاوة على الخلافات المتعلقة بالاقتصاد، والهجرة، والسياسة الخارجية، والرؤية المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية (أمريكا أولاً) ودورها المحوري التوسعي في العالم.
على أي حال، ترامب قد يكون أكبر المستفيدين من محاولة الاغتيال الفاشلة، إذ إنه ضَمِن كما يقال داخل أمريكا إلى حدٍّ كبير الفوز في الرئاسة. ومن التداعيات اللافتة في هذا السياق، أن قاضية أمريكية سرعان ما أحالت دعوى مرفوعة ضد ترامب بشأن احتفاظه بوثائق سرية إلى الحفظ، واعتبرت أن تعيين مدع خاص في هذا الملف عمل غير قانوني. وبهذا المعنى يفترض أن تسقط عن ترامب أيضاً تهمة التحريض أو المشاركة في أعمال الشغب واقتحام أنصاره لمبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني عام 2021 احتجاجاً على نتائج الانتخابات آنذاك.
وقد اختار ترامب نائباً له هو جيمس فانس، الذي كان قد وصفه قبل نحو ثماني سنوات بأنه هتلر أمريكا، معتبراً أن مواقفه السابقة أصبحت من الماضي، وفانس هذا من جيل جديد تتطابق مواقفه مع مواقف ترامب.
باختصار، يمكن القول وفق باحثين مختصين أن الإمبراطورية الأمريكية بدأت تفتك فيها الأمراض لجهة ما ارتكبته من حروب توسعية وعبثية ودموية، وبسبب نهجها الهمجي المتوحش، وتغول سيطرة الشركات الكبرى على مؤسسات الحكم والسياسيين، وبالتالي فإن الشعب الأمريكي هو الخاسر الأكبر.