لم يبقَ سوى عرضنا على واجهات المحال التجارية!

وعد حسون نصر:

نحن السوريين الذين تاجرت بنا كل الأطراف وفي كل حدبٍ وصوب. تاجروا بمصيرنا، هدموا بيوتاً كانت تجمعنا على الفرح والحب، على الترح والمرض، تجمعنا في الأعياد ويوم الجمعة السوري المشهور بطقوسه. شُرِّدنا في بلاد العرب بمخيمات غير لائقة بحياة البشر، وفي بلاد الاغتراب صرنا لاجئين نعتاش على الإعانة من المنظمات الدولية.

أمّا في الداخل، فلم يكن وضعنا أرحم، فقد هُجِّرنا وسُمِّينا نازحين مع العلم أننا سوريون داخل أرضنا، لكن الهجرة الداخلية فرضت علينا أبشع العقوبات، فرضت علينا أن نجتمع في منزل صغير أكثر من عائلة، على اختلاف أساليب التربية والمعيشة وطرق تأمينها! وحتى بالتفاصيل الصغيرة واليومية كاللباس والكلام وحتى بطريقة الأكل والشراب. كذلك بوقت النوم ووقت الحمام وغير ذلك. ومن هنا بدأت الخلافات تنشب بسبب الاختلاف والتباين في طرائق العيش، فبتنا ننعت بعضنا بعض بأقذر الصفات! تاجرنا بعواطف البعض وبكرامة البعض وشهّرنا بأعراضنا، وللأسف أن هذا الحال لا يختلف عن أي نوع من أنواع الاتجار بالبشر!

تاجر الجميع بنا في الداخل والخارج، تاجروا بحاجتنا إلى العمل والمال، فبتنا نعمل ساعات طويلة بأجر قليل شيّاباً وشباباً ويافعين، ولم يرحموا حتى طفولة الأطفال الذين يجري زجهم في سوق العمل وحمل الأثقال مقابل بضع قطع نقدية لا تشتري قطعة حلوى لطفل عارك الحياة ليحظى بحلاوتها! ولا يختلف الأمر فيما يخص النساء السوريات داخل الوطن وخارجه، فقد زادت المُتاجرة بهن جسدياً ونفسياً، واستغل البعض ضعفهن وحاجتهن إلى العمل، وخاصة الأرامل والمطلقات، فيجري استغلال عدم وجود رجل يسندهن، فبات جميع من حولهن مثل الذئاب الحائمة حول الفريسة منتهزين أيّة فرصة للنهش بلحم النساء المفروض عليهن العمل من أجل تربية أبنائهن ومصاريف البيت والسكن والدراسة للأبناء!  لقد باتت المرأة أشبه بسلعة تُباع وتُشترى لساعة متعة، وحتى قليلة الجمال منهن كانت تُستغل بالعمل لساعات طويلة بأجر قليل، فتضطر للسكوت وكبس الملح على جراحها النازفة صمتاً، تتحمل الألم مقابل الأجر الضئيل لتبقى محافظة على عملها!

ضاع مستقبل الكثير من الشباب السوري الذين أضحوا متفرقين في أصقاع الأرض، فارّين من ظلم الحرب ومن تقارير كيدية، وحتى من خدمة إلزامية التي باتوا لا يعلمون متى تنتهي مددها وسنواتها! تاهوا باحثين عن فرصة نجاة بعمل يضمن لهم حياة كريمة وربما يصنع البعض منهم مستقبله علّه يبني بيتاً وينقذ العائلة من الفقر والظلم والتنقل من مكان إلى آخر ناشداً الاستقرار! لم يسلم حتى المُسِنّ من هذه الويلات، فكم من طاعن بالسن افترش الرصيف مأوىً له بالبرد، وتحمّل قسوة الطقس في الحر والقرّ حيث لا يوجد في حوزته قطرة ماء، فراشه الأرض وغطاؤه السماء، ينتظر حسنة لقمة خبز وزجاجة ماء أو قطعة ملابس رثّة تغطي جسده شبه العاري من تقلبات الطقس!

شتّى أنواع الاتجار بالبشر كانت من نصيبنا نحن السوريين، حين باعونا قطع غيار بقوالب ثلج لأصقاع العالم، كُنّا يداً لطفل ثري وعيناً لمُسنٍّ يرى أحباءه أنه يستحق رؤية الحياة أكثر منّا! كُنّا قدماً وكُنّا قلباً نابضاً ينتظره أيُّ مريض ثري. كُنّا في نظر الجميع مجرّد أعداد أو قطع غيار، أدوات، آلات تعمل دون كلل ولا ملل! تعرّضنا لشتّى أنواع التنمّر، نبذونا دون أن يعرفوا أننا أبناء طبقة كادحة، أو أننا نحن الشعب لا علاقة لنا بأحقادهم السياسية، فرضوا علينا حصاراً جائراً وعقوبات ضرسنا نحن منها، بينما أسيادنا تذوقوا حلو العنب ولذّة النبيذ، جعلونا نضرس ونموت ونتشتت في بقاع الأرض سوريين لا قارب نجاة أنقذنا من الأسماك، ولا غابة حمتنا من الحيوانات والبرد والصقيع، ولا مخيمات ظللت قهرنا.

نحن السوريين تاجر بنا كثيرون مثل أيّة سلعة، ولم يبقَ سوى أن نُعرض على واجهات المحال التجارية وتُكتب أسعارنا علينا والمواصفات!

العدد 1140 - 22/01/2025