وبدأت أزمة كل شيء.. يبدو أن عصراً مظلماً جديداً قد اقترب
إن انهيار الحضارات في تاريخ البشرية ظاهرة منتظمة وطبيعية فيما يبدو، وانهيار الإمبراطورية الرومانية لم يكن الكارثة الأكبر في التاريخ.
ففي القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وفيما يسمى بـ (كارثة العصر البرونزي)، اختفى عدد من الحضارات في الشرق الأوسط وخارجه، وخلت مناطق واسعة من السكان، وحدث تراجع كبير في العلوم والتكنولوجيا، وصولاً إلى فقدان طرق الكتابة المعروفة لدى بعض الشعوب المتقدمة آنذاك.
وهناك أسباب كثيرة تجعلنا نعتقد أننا الآن بصدد الدخول تدريجياً في مثل هذه الأزمة، التي ستكون هي الأكبر في تاريخ البشرية جمعاء.
- من المرجح أن الأزمة الاقتصادية هي الأكبر في تاريخ البشرية، لكنها بالمقارنة مع الأزمات الأخرى هي الأقل أهمية والأقصر.
وخلال الانهيار الاقتصادي، ستواجه العديد من الدول والأقاليم نقصاً في الموارد الحيوية: الغذاء والطاقة.
2- تبدُّل الدول – الهيمنة العالمية (الولايات المتحدة الأمريكية)، وتبدل الحضارة المهيمنة (الأوربية)، وتغيير العرق المهيمن (الأبيض)، والقارة المهيمنة.
3- أزمة العلوم والموارد
لطالما كان التقدم الاقتصادي، طوال تاريخ الحضارة الإنسانية، مصحوبا بزيادة في استهلاك الموارد، وفي المقام الأول: الطاقة. ونحن ندخل الآن في فترة نقص كبير في العديد من الموارد على أقل تقدير، وارتفاع كبير في تكاليفها، بمعنى أن الاتجاه قد ينعكس للمرة الأولى.
الآن أصبحت المشكلة أننا نستنفد الموارد السابقة قبل أن تتمكن البشرية من اكتشاف مصادر جديدة للطاقة، وما يسمى بـ (التحول الأخضر) ليس سوى تقليد للثورة التكنولوجية، ومحاولة لإلباس أنواع غير فعالة وباهظة الثمن من الطاقة ثوب الثورية التكنولوجية.
وندرة الموارد وارتفاع تكلفتها ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، والصراع على الموارد سيؤدي إلى حروب.
4- أزمة الأخلاق والدين، وشيخوخة الكود الثقافي، وفقدان المجتمع لإرادة العيش.
5- الأزمة السياسية: أزمة الديمقراطية كنموذج للبشرية جمعاء لبعض الوقت. وهو أمر تافه مقارنة بالأزمات الأخرى، لكنه يساهم في زعزعة الاستقرار بشكل عام.
6- الهجرة الكبرى الجديدة للشعوب.
هي نتيجة وسيطة لأزمات أخرى، لكنها قادرة في حد ذاتها على تدمير بعض الدول والشعوب.
7- وأخيراً، الأزمة الأهم والأخطر: الأزمة الديموغرافية.
لقد حدثت أزمات ديموغرافية عبر التاريخ بحيث انخفض عدد سكان بلد معين بمقدار الثلث أو حتى النصف نتيجة للحروب أو الأوبئة. ومع ذلك، نما عدد السكان مرة أخرى، وتم الحفاظ على الحضارة.
ولكي يتمكن المجتمع من الحفاظ على عدد سكانه عند المستوى نفسه، يجب أن يكون معدل المواليد هو 2.1 طفل لكل امرأة. والآن تبلغ قيمة هذا المعامل بكوريا الجنوبية 0.9، وفي ألمانيا 1.5، وفي اليابان 1.3، وفي روسيا 1.5، وفي الصين 1.2، وفي الولايات المتحدة الأمريكية 1.7.
علاوة على ذلك، فإن معدل المواليد آخذ في الانخفاض في كل مكان، فقد انخفض بالفعل في الهند إلى 2، وهو آخذ في الانخفاض في معظم الدول الآسيوية، وستصل إلى نفس الوضع قريبا. ولم يتبقَّ في العالم سوى منطقتين لا يزال عدد السكان فيهما ينمو: الدول العربية وإفريقيا السوداء، ولكن حتى هناك، يتناقص معدل المواليد بسرعة ومن المرجح أن ينخفض، لأن هذه المناطق تتبع مسار المناطق الأكثر تقدما بالتحضر وتوسيع الضمانات الاجتماعية والتنمية الاقتصادية الشاملة هناك. على سبيل المثال، يبلغ معدل المواليد في الإمارات 1.4، وفي قطر والبحرين 1.8، وفي تونس ولبنان والكويت 2، وفي المغرب 2.2، وفي المملكة العربية السعودية 2.3، لكن، وفي غضون جيل واحد أو أقل، ستشهد معظم الدول العربية هي الأخرى نقصا في تعداد السكان.
نأتي للفقرة الأساسية في هذا المقال:
ولحين استعادة الظروف المعيشية البدائية والقاسية للغاية، والتي لن يفهم غالبية سكان العالم في ظلها معنى عبارات (المزايا الاجتماعية)، ودون معاشات تقاعدية، ودون طب متطور، ومع ارتفاع معدل الوفيات بشكل عام، وارتفاع معدل وفيات الرضع بشكل خاص، وحتى يُجبر غالبية سكان الكوكب على العيش في الريف، وكسب العيش من خلال العمل الزراعي اليدوي، حتى ذلك الحين، سيستمر تعداد سكان العالم في الانخفاض.
بعبارة أخرى، وإلى أن يأتي انهيار الحضارة الحديثة، ستستمر الأسر في خفض عدد الأبناء حتى الصفر في بعض الأحيان، وأي تدابير حكومية لن تفعل سوى أن تبطئ هذه العملية قليلاً. إن البشرية جمعاء تتجه تدريجياً إلى نموذج يتكرر فيه التدهور الديموغرافي بشكل مطرد، وهو أمر يحدث للمرة الأولى تاريخياً.
8- شيخوخة السكان
يمكن تحديد هذه المشكلة بوصفها مشكلة منفصلة، أو إضافتها إلى الفقرة السابقة. فنحن نجد أنفسها في مجتمع الشيخوخة، حيث يعمل كل شخص بالغ لصالح عدد أكبر من المستغلين (كبار السن والأطفال) من الجيل السابق. ومن أجل تخفيف العبء، يحاول تقليل عدد الأشخاص الطفيليين بالطريقة الوحيدة المتاحة له وهي تقليل عدد الأطفال.
والطريقة الوحيدة للخروج من دوامة الموت المستمرة ذاتياً هذه، هي التخلص من كبار السن بشكل أو بآخر، وهو أمر ليس مقبولاً بالنسبة للمجتمع إلا في حالات الانهيار الاجتماعي الشامل، عندما تنعدم المعاشات التقاعدية وتتبخر المدخرات خلال هذه الفترة، وسيؤدي التضخم المفرط في حد ذاته إلى هذه النتيجة.
بالطبع، وعندما تقرأ كلماتي في هاتفك الذكي، بينما تتناول فنجاناً من القهوة، سيكون من الصعب عليك أن تتخيل نفسك وأطفالك وأحفادك يحرثون الأرض على الخيول، لكن المعضلة هي أن التدهور الديموغرافي الناجم عن نهاية العمر الافتراضي للكود الثقافي، لا حل له.
فتعداد سكان العالم سوف يتراجع إلى أن يجد المجتمع نفسه في حالة القرون الوسطى في أحسن الأحوال، إن لم يكن أسوأ، مع كل العواقب التي قد تترتب على ذلك، أي أن عملية السقوط نفسها يمكن أن تستغرق قرناً.
وبرغم غرابة الصورة، دعوني أذكركم أن هذا قد حدث بالفعل في تاريخ البشرية، وكل شيء دوري، والعصور المظلمة هي الأخرى ستنتهي عاجلاً أو آجلاً.
وهناك أيضاً عمليتان على الأقل لتدهور الإنسان ككائن بيولوجي تهددان وجوده، وربما تولدان دورات تدوم على الأقل عشرات أو مئات الآلاف من السنين.
الأولى: ضعف الانتقاء الطبيعي بسبب تطور الطب وبقاء الأطفال المصابين بأمراض مختلفة. ويمكن للمرء أن يأمل أن يساعد تطور علم الوراثة في تصحيح هذا الأمر (إذا تمكنا من تطوير هذه التكنولوجيا قبل الانهيار)، ولكن في الوقت الحالي فإن هذا العام ساري المفعول واحتمالات الأزمة تتراكم.
الثاني: على مدى مليونين ونصف المليون سنة، زاد حجم دماغ صنفنا البشري. وعلى مدار الـ 25 ألف سنة الماضية كان حجم دماغ الشخص العادي يتناقص. ففي المجتمع الحديث، يكون لدى الأشخاص الأكثر نجاحاً عدد أقل من الأطفال، وبالتالي يتم إزاحة جيناتهم. بمعنى أنه كان على الصياد البدائي أن يكون مبتكراً للغاية من أجل البقاء. اليوم، وبعدما أصبحت الحياة سهلة للغاية، أتيح للجميع البقاء على قيد الحياة، بما في ذلك الأكثر غباء.
على المدى الطويل، تؤدي هاتان العمليتان أيضاً إلى انهيار الحضارة، والعودة إلى شروط الانتقاء الطبيعي الأكثر صرامة، إلى ظروف المعيشة الأكثر قسوة، وبعدها يمكن استئناف النمو من أدنى نقطة داخل الإطار الجديد. فالتعافي مستحيل دون الانهيار.
وتستغرق كل عملية من هذه العمليات دورة زمنية مختلفة، وعندما يتزامن عدد من الأزمات في وقت واحد، فإنها تتكثف بشكل متبادل.
آمل ألا تتطور الأزمة الاقتصادية العالمية إلى العصور المظلمة الناجمة عن الكارثة الديموغرافية التي حلت بالبشرية، فالعمليات الديموغرافية أبطأ على أي حال.
المحلل السياسي: ألكسندر نازاروف