سوريون في أصقاع العالم
وعد حسون نصر:
لاجئون، عمال، طلبة.. شرّدتنا الأزمة إلى مختلف دول العالم، نمكث في خيم القهر ويُطلق علينا وصف (ابن المخيم) وكأنها وصمة عار دُمغنا بها. كل جريمة وسرقة واتجار وتعاطي تُرتكب في أي مكان، يُقال بلا أي نقاش إن مرتكبها السوري ابن المخيم!
العمل الشّاق يكون من نصيب السوري وبأجر قليل، المعاناة من نصيبنا وبشتّى قسوتها، لجوء في دول الجوار ودول العالم مع فارق بسيط أن الغرب يحترم إنسانيتنا ويتعامل في أسوأ الأحوال بقليل من الإنسانية، لكن اللجوء الأصعب هو اللجوء الداخلي وما خلّفه من كوارث انسانية على جيل كامل، لم ينجُ منه صغير أو شاب أو كبير لم يتأثّر بهذا التشرّد القسري، وهذا التهجير وما خلفه من إزهاق للأرواح.. بيوت خرج منها أناسها وهم يظنون أن خروجهم مؤقت لساعات فقط، لكن الساعات استمرت لسنوات لم تنتهِ بعد. أطفال تركوا أقلام التلوين على المنضدة ليعودوا ويرسموا أحلامهم الوردية لمستقبلهم وفساتين وبدلات العيد، لكن هذه الساعات طالت وطالت لسنوات وتحولت الألوان كلها للون الأسود، لون القهر ولون الحزن ولون الفراق واللاعودة. الحدائق والشوارع اكتظّت بأطفال منهم مجهول النسب، ومنهم من اتخذ التشرد والتسوّل مهنة له، حتى المسنون ضاقت الدنيا بهم فاتخذوا من الطريق ملاذاً لهم بدل منازلهم المهدّمة، باتت الطرقات مأوى ومكان إقامتهم، وعندما تسألهم من أين أتوا يقولون لك دون خجل نحن لاجئون من المناطق المجاورة!
داخل الوطن وخارجه كلمة لاجئ صارت شعار السوري! أي مستقبل ينتظر هؤلاء المبعثرون في بقاع الأرض لاجئين لا يدرون ما هو المصير، يقتاتون على فتات الجمعيات والمنظمات الإنسانية، حتى مواهبهم تُستغل وتُجيّر لصالح دول الاستضافة، عملهم لا يُجزون عليه إلاّ القليل. أطفالهم مهما كانت درجة أعمالهم في الدراسة يصنفون بالدرجة الثانية بعد ابن المنطقة حتى داخل الوطن الواحد! مستقبل غامض مجهول لا يعلمون ما ينتظرهم، هل إذا عادوا للوطن سيُصنفون ضمن قائمة الخارجين عن القانون والعابثين بأمن الوطن، أم هم مجرد رقم عاد للوطن ولا يتمتع بأي حق من حقوقه؟ وكذلك في بلد اللجوء لا يعلمون ما هو مصيرهم لأنهم يعملون وكأنهم أدوات فقط تُنجز الأعمال الشّاقة بجهد كبير وأجر قليل!
بالتالي، لا مستقبل للاجئ لا يعلم مصيره داخل البلاد وخارجها، فبيوتهم مُدمّرة، وناسهم فقدوا أو ماتوا أو خسروا أعمالهم ومهنتهم، ومنهم من خرج بثيابه فقط، حتى أوراقه الثبوتية لا يعلم تحت أي ردم صارت، منهم من ذهب وهو نظيف السجل، وعندما قرر العودة للوطن وجد نفسه من أخطر العابثين بأمنه، فقرر أن يُدمغ بدمغة لاجئ في دول اللجوء على أن يعود محروماً في بلده وغريباً أكثر مما كان غريباً، رغم أنهم مورد رزق لأي دولة استضافتهم، فهي تأخذ منح الاستضافة وتعطيهم القليل، وفي آخر المطاف يطالبون بترحيلهم وكأنهم سبب البلاء. هذا باختصار القليل والشيء الذي لا يُذكر ممّا يعانيه اللاجئ السوري داخل البلاد وخارجها .