ممنوع دخول السو…
أحمد ديركي:
يقال إننا نعيش في القرن الـ21. ومن مميزات هذا القرن التطور العلمي، الرفاهية، القضاء على الفقر، القضاء على العنصرية، وجود منظمة تُعرف باسم الأمم المتحدة، وتشكل تجمعاً لكل دول العالم للتشاور وتجنب الحروب، تعميم حقوق الإنسان، وحقوق الطفل، وحقوق المرأة، والمحكمة الدولية… واللائحة تطول إذا أردنا ذكر مميزات هذا القرن.
نعم، إنها مميزاته لكنها مميزات لا تزيد عن مجرد كلمات فارغة المضمون، فالتطور العلمي حكر على بعض الدول، والفقر يعمّ الكرة الأرضية، والعنصرية سيدة العصر، ولا وجود للأمم المتحدة إلا للأقوى، والأضعف يبرر ضعفه باللجوء إليها، أمّا حقوق الإنسان بكل تفرعاتها فحدّث ولا حرج من سجن أبو غريب وصولاً إلى سجون العالم أينما كانت، في العالم العربي أو خارجه، وصولاً إلى المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني.. وأيضاً اللائحة تطول لتثبت كذب كل مميزات القرن الـ21.
وهو كذب تتغنى به الأنظمة السياسية الحاكمة للعالم، وتتبعها الأنظمة السياسية المحكومة فتعمم الكذب المتداول حول مميزات القرن الـ21، لأنه كذب يخدم مصالحها ومصالح حليفها الطبقي، الطبقة البرجوازية.
كذب تغطيه أمور متعددة، ويبدو أن هذه القشور التي تغطي الكذب تسقط واحدة تلو الأخرى. فالنظام السياسي في أميركا يدعم علناً قتل الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه، ويلحق به اليمين الأوربي الذي يبدو أنه قد يحقق فوزاً في الانتخابات الأوربية، والبلدان العربية لا قرار لها سوى الالتحاق بما يُقرّر لها.
في خضمّ كل هذا التكاذب والكذب الذي يتحول يوماً بعد يوم إلى حقيقة، لأن الأكاذيب تتساقط يوماً بعد يوم من الأفعال المعاكسة للأقوال الكاذبة، يأتي الخطاب العنصري، وليكن النموذج لبنان.
لبنان كما يقال عنه دولة مستقلة عضوة في الأمم المتحدة. لكن مثله مثل عدد من الدول العربية، فاستقلاله غير كامل لأن الكيان الصهيوني يحتل جزءاً من أرضه. أي استقلاله جزئي، في الوقت الذي لا يمكن للاستقلال أن يجزّأ، فإما أن يكون البلد مستقلاً أو لا يكون. ليس هناك نصف استقلال أو ربع استقلال أو ثلاثة أرباع! وبكونه عضواً في الأمم المتحدة فمن واجب هذه المنظمة دعمه دولياً لتحقيق استقلاله، وما يحدث هو العكس. فتسقط هنا مصداقية الأمم المتحدة بكل هيئاتها. وقد ساهم لبنان بنحر استقلاله، عندما استقال كنظام سياسي من مقاومة العدو الصهيوني وتحرير أرضه، فأخذ جزء كبير من شعبه المهمة عنه، منذ زمن بعيد، وليس كما يصور اليوم وكأن المقاومة وليدة حزب طائفي واحد مقاوم.
استكمل لبنان نحر استقلاله عندما انفجرت أزمته الاقتصادية، وسببها الأساسي السياسات الاقتصادية للنظام السياسي، وانتقل إلى دولرة اقتصاده، متخلياً عن عملته الوطنية، إن وُجدت!
ومع كل أزمة تواجه لبنان يتهرب ويلقي اللوم على الآخرين، وكأن الآخرين مجرد أشباح تحوم فوق لبنان، مركز الكرة الأرضية، وتتآمر عليه وتدمره.
بداية مع أزمة احتلال فلسطين من قبل الكيان الصهيوني، تنصّل لبنان من أية مسؤولية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، وترك شأنهم للمنظمات الدولية لتهتم بكل أمورهم الحياتية، منذ لحظة الولادة حتى لحظة الممات. وجل ما قام به هو قبض الأموال باسمهم ونهبها، كما فعل مع شعبه حينما سرق أموالهم من المصارف التي تشاركه السرقة، وهو يحمي السارق باسم الأمن والنظام.
حدثت الحرب الأهلية في لبنان وانتهت بعقد مصالحة بين الأطراف المتقاتلة، وأصبح زعماء الأحزاب المتقاتلة هم زعماء لبنان، ولكل منهم حصته. وكل متتبع لخطاباتهم حول الحرب الأهلية في لبنان يجد أن المَلوم الأول هو الفلسطيني الموجود على أرض لبنان، وكأن النظام السياسي اللبناني هو ذاك الملاك فأتاه الشيطان المتلبس بالشعب الفلسطيني اللاجئ ليقضي عليه! والأمر الأبشع أن هناك جزء كبير من الشعب اللبناني يصدق مقولات النظام السياسي. والفلسطيني محروم من الحقوق المدنية في لبنان، بدءاً من التملك وصولاً إلى حقّ العمل.
حدث وما زال ما يحدث في سورية، فتدفق السوريون إلى لبنان. فتعامل النظام السياسي اللبناني معهم كما تعامل مع تدفق اللجوء الفلسطيني، ببعض الفوارق، ومنها أن فلسطين يومياً يقضمها الكيان الصهيوني بدعم عالمي وعربي ولم يتبقَّ من فلسطين سوى بضعة كيلومترات محدودة، أما سورية فالأمر مختلف.
سمح لبنان بتدفق اللجوء السوري من دون أي قيد أو شرط، في البداية، وتخلى النظام السياسي اللبناني، كالعادة، عن أي مسؤولية تجاههم وأوكل أمرهم للمنظمات الدولية. ما دام هناك أموال دولية تتدفق إلى لبنان باسمهم فليسمح لهم بالدخول. فجأة ومن دون أي مسوغ قانوني أُقرّت بطريقة غير شرعية قيود صارمة على دخول السوريين إلى لبنان. وتاه الجميع بسبب إقرارها، هل هو طلب من النظام السياسي السوري أم قرار من النظام السياسي اللبناني، أم بتوافق الطرفين! لأن القرارات والقيود التي أقرّت غير شرعية.
منذ فترة بدأ الخطاب العنصري بالتصاعد باتجاه اللاجئين السوريين، وحتى ضد السوريين بعامة، ولم يعد الأمر مقتصراً على اللاجئين. خطاب وصل إلى حد وضع لافتات على شوارع بعض المدن والقرى اللبنانية تقول: ممنوع دخول السوريين! كل هذا يحدث ولا تعليق لا من الحكومة السورية ولا سفارتها في لبنان!
وحالياً يتصاعد الخطاب العنصري ضد السوريين، ويصل إلى التصريح العلني بطردهم في بعض وسائل الإعلام والخطابات العامة. ويربط هذا الخطاب العنصري ضد السوريين أزمة لبنان الحالية بوجود السوريين على أرضه. وهو الخطاب عينه الذي ربط سابقاً بين الفلسطينيين والحرب الأهلية في لبنان!
كل هذا التصعيد العنصري ضد السوريين في لبنان والسفارة السورية في لبنان ما زالت تتعامل وكأن ما من شيء يحدث في لبنان، وكأن لا شأن لها بأي مواطن سوري سوى قبض الأموال منه عندما يريد إجراء أي معاملة له، والقبض بالدولار وليس بعملة أخرى. ولم نسمع يوماً بأن الخارجية السورية استدعت سفير لبنان في سوريا لتتباحث معه على الأقل حول ما يجري للسوريين في لبنان والخطاب العنصري ضدهم!
صمت يسمح بتمادي الخطاب العنصري وتزايد اللافتات المرفوعة في الشوارع والمكتوب عليها (ممنوع دخول السوريين). فهل سوف نصل يوماً إلى قراءة هذا الشعار على الحدود اللبنانية البرية والجوية والبحرية! تحت ذريعة أنهم السبب في الأزمة الحالية للبنان!
كان لبنان وما زال نموذجاً عن التكاذب والكذب في مميزات القرن الـ21، والأمثلة كثيرة، وبخاصة في بقية الدول العربية.