العنوسة شعور داخلي قبل أن تكون واقعاً

يختلف سن العنوسة من بيئة إلى أخرى بحسب مجموعة من العوامل والمسببات والظروف المحيطة به، لكنها في النهاية تؤدي إلى مقولة واحدة تقال عن الفتاة بعد سن معين: إنها عانس. وهنا يأتينا تساؤل: هل هو شعور داخلي بأنها لم تعد مطلوبة للزواج؟

فإذا ألقينا نظرة سريعة على محيط المجتمعات الشرقية نستطيع أن نجد فتيات من أوساط مختلفة، سواء من الوسط الاجتماعي المختلف أو الوسط التربوي وداخل مؤسسات الدولة، واللواتي يعملن في القطاع الخاص. وأخريات قابعات في منازل أهلهن،  تتراوح أعمارهن ما بين سن 26 – 40 غير متزوجات. وبالتالي تقلُّ فرص الزواج لهن بعد سن معينة تحددها المجتمعات المحيطة.

هذا يقود إلى طرح السؤال: لماذا لم تتزوج في سن مبكرة؟ يمكن أن نحصر ذلك بجملة من الأسباب هي:

أولاً -أن العائلة تمر بفترات عصيبة تضطر الفتاة أن تبقى مع أهلها لتساعد والدتها المقعدة أو إخوتها الصغار، أو لتمسُّك والدها بها لتعمل من أجله.

ثانياً – لأن الفتاة لا تتمتع بصفات الجمال العامة، من رشاقة وطول وأنوثة لدرجة أنهن يتداولن على ألسنتهن: (الله يستر عليها)، دون أن يفكرن في أن تكون هذه الفتاة كنّة لإحداهن، ودون أن يعرفن حقيقتها الإنسانية والذهنية وأحلامها وتطلعاتها.

ثالثاً – بسبب انتمائها الديني أو القومي الذي لا يسمح لها الارتباط بمن تحب، أو لأنها أحبت أحدهم وأخلصت له ووعدته أن تنتظر، لكنه إما هجرها وتركها إلى غيرها، أو أن الأهل لا يرضون به عريساً لابنتهم بسبب انتمائه.

رابعاً – لأنها بحثت عن كيانها وشخصيتها في حريتها في مكان العمل والوسط الاجتماعي الذي تعيشه، وتمتعت بالاستقلالية الشخصية عن الأسرة وتكوين شخصيتها الخاصة، وبالتالي تبقى مستبعدة بنظر الرجال كزوجة لأحدهم.

العنوسة شعور داخلي يصيب الفتاة بأن زواجها من شاب أعزب ذي مواصفات مناسبة لتطلعاتها قد بدا مستحيلاً،  وأن الأمر سينتهي بها في آخر المطاف إلى الزواج بمطلِّق وله أولاد، أو أرمل، رجل تجاوز سنّ الشباب. أو تقبل أن تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أحياناً لرجل قرر الزواج مرة أخرى لأسباب تتعلق به. كما أن العنوسة تجعل من الفتاة لا تعيش استقلاليتها وتشبع غرائزها،  وتدخلها في حالة من الكبت والمزاجية والقلق والأرق،  وتعاني اختلاطات نفسية.

والعنوسة يخلقها المجتمع المحيط بالفتاة بتعليقاته اللاذعة لها، فيصيبها بالإحباط.  إن ثقافة مجتمعنا الشعبية لا ترى في الفتاة إلا زوجة وربة منزل، وزواجها يتم بطرق متعارف عليها.  ومن أسباب العنوسة أيضاً ارتفاع معدلات البطالة وغلاء المهور والسكن وارتفاع تكاليف الزواج الناتجة عن العادات والتقاليد المتبعة وارتفاع معدل التعليم بالنسبة للإناث وتباين الكثافة السكانية من حيث الجنس.

ومنذ أن أصبح المجتمع ذكورياً وضعها في قوقعته لكي تبدو عاجزة دونه، لاسيما الموروثات الفكرية والشعبية، وحرمها من قرار الاختيار.

إن المرأة هي رمز الخصوبة والعطاء، وكيان فاعل وأساسي في نسيج الحياة البشرية. وهي أكثر تضحية من الرجل في كل نضالاتها وحياتها اليومية.  فكم عليها أن تدفع مقابل فكرة العنوسة وكم عليها أن تدافع عن استقلاليتها وخياراتها أمام مجتمع يحتاج إلى إعادة نفض ذهني وفكري للموروثات الاجتماعية بما يتناسب ومتطلبات الواقع الحالي.

العدد 1140 - 22/01/2025