عازف البزق محمد عثمان وشمالياته
إن آلة البزق الموسيقية من أكثر الآلات شعبية في شمال سورية وشرقها، وتكاد تدخل في أثاث كل بيت في الشمال،إذ يعزفها الهاوي والمحترف، وتجمع الآلة في صوتها بين التطريب العربي ومقامات الموسيقا الشرقية عموماً. وقد دخلت آلة في التخت الشرقي في أوائل القرن الماضي لتُكوِّن حضورها الخاص في التفريد والارتجال قبل وأثناء أداء المطرب المواويل. وقد لحن عليها عازف البزق الحمصي الشهير محمد عبد الكريم أجمل الألحان، منها رائعته (رقة حسنك وسمارك) لنجاح سلام.
لكن الموسيقي وعازف البزق محمد عثمان أخرج الآلة من شعبيتها لتدخل المجال الأكاديمي في سورية بكل جسارة، إذ يختصر محمد عثمان دلالة آلة البزق الشرقية وجمالياتها في مقطوعة موسيقية أطلق عليها (شماليات)، فمزج في جملها الموسيقية بين الجمل الشعبية المرتجلة التي اكتسبها من ذاكرته، وبين الجمل الأنيقة الأكاديمية التي أمسكت مفاصل المقطوعة من بدايتها إلى ذروتها.
وعكست المقطوعة (شماليات) تلك البيئة الثقافية الموسيقية المتعددة الأطياف والفسيفساء الطبيعي من عوالم الموسيقا الفطرية المتعددة الألوان والتي نشأت فيها ذاكرة المبدع الأولى، فحين يعزف محمد عثمان (شمالياته) على آلة البزق نلمس صوت خرير مياه الفرات، ونشمُّ رائحة (الحوائج) ونسمع استغاثات الرعاة. فمن بين أصابعه السحرية وهي تطرق على صدر آلة البزق وتتنقل بخفة على زنده الطويل تتسع دائرة الصوت المنبعثة من قمرته وكأنها أصوات الطيور.
محمد عثمان هو أول من أدخل آلة البزق إلى الأوركسترا بجسارة العاشق، لامتلاكه تقنيات العزف الارتجالية العالية المستوى، فأدخلها في فضاءاتها الواسعة وعوالمها الآكاديمية، مما دفع مؤسس الفرقة السيمفونية المايسترو صلحي الوادي إلى أن يضيفها إلى صف الآلات الشرقية، وتدرّس بشكل رسمي في المعهد العالي للموسيقا. شارك محمد عثمان في كبريات الفرق السيمفونية العالمية عازفاً لل (صوليست) على أهم المسارح في العالم: على مسرح (لاسكالا) في ميلانو، ومسرح جون كندي في واشنطن، ومسرح الشانزليزيه في باريس، ومسرح ألبرت هول في لندن. إضافة إلى الحفلات في معهد العالم العربي في باريس.
يذكر أن محمد عثمان من مواليد جرابلس 1975. درس آلتي البزق والعود في المعهد العالي للموسيقا بدمشق (1995-2000) على يد الخبير الروسي الأستاذ علي عسكر أكبر. عزف مع الأوركسترا السيمفونية السورية كعازف صولو على البزق منذ العام ،1995 بقيادة كل من صلحي الوادي، وميساك باغبودريان. وشارك مع أوركسترا قطر الفيلهارموني كعازف صولو بقيادة المايسترو لورين مزل. وأقام العديد من حفلات الصولو على البزق بمرافقة البيانو في العديد من المدن السورية والعربية والأجنبية، وعمل مع مارسيل خليفة عازفاً صولو في الكونشيرتو العربي، ومع المايسترو الفرنسي لورين مزل. وشارك مع الموسيقي نوري إسكندر في كونشيرتو العود في دار الأوبرا السورية. نال العديد من الجوائز الدولية (جائزة المركز الثاني في مسابقة الارتجال في مصر عام 1998 جائزة المركز الثالث في مسابقة العود الدولية في عمان الأردن عام 1999 وجائزة المركز الأول في مسابقة العود الدولية في بيروت عام 2000).