في رحيل الناقد الموسيقي صميم الشريف صميم النقد الموسيقي وتاريخ الأغنية العربية

حين تدخل مكتبه في أبي رمانة بدمشق تسمع الموسيقا من زوايا المكان، وتشعر بالحرص الشديد على الأصالة والتراث الموسيقي العالمي والعربي، وحين يدير ظهره ليفتح خزانته (المكتبة الموسيقية الخاصة) فإنه يغوص في الأسطوانات والحوامل الصوتية القديمة (البشارف، واللونغات، والأدوار)، وأهم الأعمال الموسيقية العالمية من عصر ماقبل الباروك إلى بدايات القرن العشرين، وكل هذه الأعمال جمعها عبر عشرات السنين من المتابعة والإصغاء والنقد الموسيقي.

كان  يشدد في حواراته الصحفية و في الجلسات الخاصة على مسألة مهمة في النقد والإبداع الموسيقي وهي الإصغاء (فحين تجيد الإصغاء فإنك تجيد الإبداع والنقد الموسيقي). فالإصغاء للموسيقا ليس عادة بل هو ثقافة وحياة، من يمتلكه يختصر الكثير من المسافات بينه وبين عالم الموسيقا الواسع.

في آخر حوار معه أواخر العام ،2010 وكنت حينذاك قد بدأت الاشتغال على ملف الأغنية السورية، وهي محاولة تنظيرية لكشف جذور الأغنية السورية وهويتها عبر البحث في العديد من التجارب الإبداعية منذ خمسينيات القرن الماضي، كان لصميم الشريف وجهة نظر خاصة بالأغنية السورية. فهو يعد الأغنية السورية لوناً من ألوان الغناء العربي، وهي لاتنفصل عن تجارب الموسيقا العربية عموماً. فكان حواراً سجالياً في مظهره ودوداً في جوهره. فصميم الشريف يمتلك القدرة على الإقناع عبر دلائل ومؤشرات وتجارب إبداعية موسيقية عاصرها، فقالها حرفياً وقتذاك: (لايوجد أغنية سورية، بل هناك أغنية عربية بلون سوري).

وكان  متفائلاً بما يقدمه الموسيقيون الجدد في سورية على مستوى  التأليف والتلحين، لأنهم  يعملون في حقل الموسيقا العربية بالأسلوب الغربي، ولأن عملهم يقوم على العلم. وقد عد صلحي الوادي  واحداً من الموسيقيين الذين اشتغلوا على  طلاب حملوا ويحملون من بعده هذه المهمة الشاقة، منهم عازفون ومنهم مؤلفون ومنهم مغنون. هؤلاء تابعوا الطريق، فبعضهم ركض خلف الموجة التجارية، لكن بعضهم الآخر يصر على العطاء، وفكرة صلحي الوادي تقوم  على طريقة الكتابة الموسيقية على الأسلوب الغربي. فعندما تؤلف عملاً موسيقياً  تكتبه بطريقة علمية فإن القوالب الموسيقية هي أمامك تختار  قالباً منها، أو تتحرر منها، وتضعها في أسلوب ينم عن شخصيتك العربية السورية. هذه الفكرة قدمها صلحي الوادي لطلابه عبر  مؤلفاته. الآن هم يكتبون بهذا الأسلوب الغربي، لأنه لايحتوي على أرباع المقامات التي تحتويها الموسيقا الشرقية عامة.

صميم الشريف أحد أهم المؤرخين والباحثين الموسيقيين في سورية والوطن العربي. أغنت مؤلفاته النقدية المكتبة العربية في عدد من الأبحاث والدراسات الموسيقية، وترك مساحات كبيرة على مستوى النقد الموسيقي العلمي، يمتلك قدرة على كشف تفاصيل الجملة الموسيقية، ويميز بين الاستماع للموسيقا الغربية التي تدعو للتفكير والتأمل وبين الاستماع إلى الطرب التأملي في الموسيقا العربية. وله تجارب على مستوى الكتابة الأدبية والتأليف، فقد كتب القصة القصيرة مبكراً ونشر مجموعته القصصية (أنين الأرض)، وقد خص الكاتب يوسف إدريس بمقدمة أدبية للتجربة الأولى، ثم نشر مجموعته القصصية الثانية (عندما يجوع الأطفال).

من أهم مؤلفاته النقدية والتاريخية (الأغنية العربية) الذي صدر في بداية السبعينيات، وقد أفرد لكل مبدع موسيقي وغنائي صفحات كثيرة في التحليل والقراءة، وكان مبهوراً بتجربة القصبجي الموسيقية، إذ جعل منه ركيزة أساسية في الكتابة الموسيقية العربية الحديثة. وآخر إصداراته النقدية كان كتاباً شاملاً عن تجربة الموسيقي رياض السنباطي. وقد اشتغل في الإذاعة معداً ومقدماً لأهم الأعمال الموسيقية العالمية والعربية،وترك مئات الساعات الإذاعية والتلفزيونية الموسيقية.

العدد 1140 - 22/01/2025