رأي في الجمعية التأسيسية للدستور
لا بد من مجموعة مبادئ لتشكيل الجمعية التأسيسية التي ستكلف بوضع دستور دائم للبلاد.
أولاً: لأن الدستور هو العمود الفقري القانوني للدولة وهو عقد اجتماعي وليس عقد إذعان، وهو الذي يحدد الشكل الذي ستكون عليه الدولة ويرسم آفاق مستقبلها ليدفع بها إلى مستوى أعلى نفسياً واجتماعياً وقانونياً، فلا بد من آلية استثنائية لتشكيل الهيئة التأسيسية التي ستتولى وضع الدستور. تقوم هذه الآلية على الانتخاب والتوافق في آنٍ معاً، ويجب أن تحقق تمثيلاً حقيقياً لجميع مكونات المجتمع، وهو تمثيل نوعي يتفهم تماماً مفهوم العقد الاجتماعي، ويعي تماماً قوة الدستور وفعاليته في تنمية المجتمع وتطويره ودفعه إلى الأمام. ولابد من التمثيل النوعي الذي يؤمن بالمساواة ومبدأ العدالة الاجتماعية، ويؤمن بقاعدة ما أريده لنفسي سأطالب به لغيري أولاً.
ثانياً: بعض المواضيع الأساسية مثل (نظام حكم برلماني أم نظام حكم رئاسي أم شبه رئاسي، وغير ذلك من الأمور الأساسية)، يجب أن تطرح للاستفتاء والتصويت كل مادة على حدة بأغلبية الثلثين، شرط مشاركة أكثر من 50% ممن يحق لهم الاقتراع. ويجب أن تكون المدة قبل الاستفتاء مقبولة كي يتسنى لمناصري هذه الأفكار مناقشتها مع الشعب، فلا تكون إرادة الشعب معيبة بعيب من عيوب الإرادة.
كما يجب أن تطرح كل المواد التي لا يتوافق عليها أعضاء الهيئة التأسيسية على التصويت فيما بينهم وأن تفوز بأغلبية الثلثين أو أكثر.
ثالثاً: أن ينال مشروع الدستور المطروح على الاستفتاء أغلبية الثلثين أيضاً، وأن تكون نسبة المقترعين أكثر من 50% من مجموع من يحق لهم الاقتراع. للأسباب التالية:
1- إن أغلبية الثلثين في إقرار الدساتير هي التي تعطي الشرعية القوية للدساتير، لأنها أهم القوانين وأسماها، ولأنها توصف بالجمود باعتبار أن تعديل مواد منها فيما بعد يحتاج أيضاً إلى أغلبية موصوفة بأغلبية الثلثين أو ثلاثة أرباع، بحسب الدول.
2- إن الأغلبية المطلقة (نصف الكل + واحد) أو النسبية (نصف الحاضرين + واحد) في وضع الدستور ستجعل منه أقرب إلى عقد الإذعان منه إلى العقد الاجتماعي، بل ستجعله عقد إذعان فعلاً. كما ستسبب انقساماً وعدم استقرار مستمرين في المجتمع وما بين مكوناته، وهو ما يؤثر سلباً في سير التنمية على أنواعها، بل على الوحدة المجتمعية والنفسية.
3- مع الأغلبية المطلقة (نصف الكل + واحد) لن يكون الدستور مؤسساً على الصخر، وسيكون سبباً للمشاكل والنزاعات السياسية التي لن تنتهي، ولن يكون الوضع مع هذه الحال مشجعاً ومحفزاً للمغتربين السوريين للعودة والاستثمار في سورية ولا غير السوريين طبعاً.
4-وإذا كان التصويت بالأغلبية المطلقة (النصف + واحد)، ثم يتم وضع مادة في الدستور تنص على أن تعديله يكون بأغلبية الثلثين أو ثلاثة الأرباع، تكون الأغلبية المطلقة التي أقرت مادة مختلفاً عليها في مشروع الهيئة قد منعت الأغلبية المطلقة اللاحقة لها من تعديل الدستور بنفس حجم الأغلبية. ويعد هذا مصادرة لصوت الأغلبية المطلقة في المستقبل، ويشكل عدم مساواة بين فاعلية صوت الأغلبية المطلقة واضعة الدستور، وفاعلية صوت الأغلبية المطلقة التي قد تأتي بانتخابات لاحقة. لاسيما أن الأغلبية المطلقة ستضع أهم القوانين وأسماها وهو الدستور.
ولأجل ذلك كله يجب أن ينشط الجميع لتأكيد هذه المبادئ في تشكيل وسير عمل الجمعية التأسيسية للدستور، وخاصة إقرار الأغلبية الموصوفة (أغلبية الثلثين أو ثلاثة الأرباع أو بينهما) في كل تصويت يتعلق بالدستور.