ما هو الأسلوب الصّحيح لإعادة توجيه السّلبيات لدى أولادنا؟!

نجد اليوم العديد من الآباء والمربين يطرحون السّؤال الآتي: ما هي الطّريقة الصّحيحة للتعامل مع التّصرفات الخاطئة والسّلوكيات غير المقبولة لدى أولادنا؟!

من الأخطاء الّتي يقع فيها المربون والآباء، أنّه: (عندما يخطئ أحد أولادهم، يسرعون إلى معاقبته حتّى لا يكرر السّلوك الّذي قام به)، وهنا تكمن المشكلة بأنّهم تعاملوا مع شخصية المخطئ لا مع السّلوك الخاطئ نفسه. والفرق بينهما شاسع لأنّ الإنسان يمتلك مجموعة من الخيارات والسّلوكيات والمواقف ما هو أكثر بكثير من ذلك السّلوك الخاطئ. فإذا نسي الولد كتابة وظائفه فهذا لا يعني أنّ الولد كسول، المعادلة الصّحيحة هي أنّ الولد نسي كتابة وظائفه لأنّه نسي كتابة وظائفه. إذاً ما هو الحلّ الأنسب في هذه الحالة؟ ماذا علينا أن نفعل، وكيف نتصرف مع السّلوك الخاطئ؟! يقترح الاختصاصيون التربويون بعض الاستراتجيات المفيدة في إعادة توجيه سلوك الأطفال:

أولاً: علينا أن نركز على الخطأ نفسه، وأن نفصله عن الطّفل، فالطّفل ليس سلوكه.

ثانياً: يجب أن نقيس درجة فداحة الخطأ، فإذا كان بسيطاً فعلينا تجاوزه، لأنّ التّركيز عليه قد يضرّ أكثر مما يفيد، وتجاهله سيؤدي إلى تعزيز الثّقة الّتي تتطلب قدراً كبيراً من التّسامح وتجاوز الأخطاء.

ثالثاً: من المهم قياس مدى تعمّد الطّفل ارتكاب خطئه، فإذا كان الخطأ غير متعمد أو أنّ درجة التّعمد خفيفة فالأفضل هو التّسامح وتجاوز الخطأ.

رابعاً: الفصل بين السّلوك الخاطئ والقصد الإيجابي الكامن وراءه، ولكي نتمكن من معرفة القصد الإيجابي من وراء سلوك أطفالنا علينا أن نفهم الدّوافع الحقيقية الإيجابية الّتي يحاولون تلبيتها في سلوكهم الخاطئ، إنّ هذا التّفهم هو المفتاح لمساعدة أولادنا على تحقيق هذه المقاصد الإيجابية من خلال إيجاد بدائل جيّدة.

مثلاً: عندما يتشاجر الأولاد في البيت بسبب أمور سخيفة، يكون القصد الإيجابي الكامن وراء هذا الشّجار هو تلك الطّاقة الهائلة الّتي تحتاج إلى تفريغ، والّتي هي بحاجة إلى بدائل، مثل ممارسة الرّياضة، القيام بنشاطات كالرّسم والأعمال اليدوية.. إلخ.

والتّلميذ الّذي لا يحبّ الذّهاب إلى المدرسة ويعمل بتكاسل، يكون القصد الإيجابي من وراء ذلك هو الرّغبة بالتّسلية والمرح، فإن لم نتمكن من إيجاد وسائل لتحفيزه فسيبحث عن أماكن وفرص أخرى لتحقيق رغبته، وعندئذ سوف يتأخر ويتكاسل، ويرفض الذّهاب إلى المدرسة.

خامساً: علينا أن نقوّم السّلوك الخاطئ بعد وضعه ضمن مجموعة السّلوكيات الجيّدة الّتي يقوم بها الطّفل، لذلك علينا ألاّ نضخم السّلوك الخاطئ حتّى لا يكبر في أذهاننا أكثر مما ينبغي.

مثلاً: إذا تأخر طفلكَ يوماً ما، فتذكّر بأنّ هناك عشرات بل مئات المرّات الّتي كان فيها محافظاً على الموعد، وإن أضاع مفاتيحه يوماً فتذكّر كم مرة حافظَ فيها على أغراضه وحاجياته.

سادساً: علينا أن نحتفل بالخطأ ونفرح به، لماذا؟! لأنّ الخبرات والمهارات الّتي نمتلكها اليوم، ما كانت لتتأصل في نفوسنا لولا ممارستها عملياً في حياتنا اليومية. فالممارسة هي الّتي تورث الخبرة والمهارة.

إنّ أكبر معلّم للطفل هو الأخطاء الّتي يقع فيها. ولكن في حال جاءه من يساعده على الاستفادة من خطئه بدلاً من أن يجعله يعيش في دوّامة الشّعور بالذّنب والخوف، ويمسك بيده ويناقشه بالموقف والأسباب والدّوافع الّتي تكمن وراءه، تمكنّا من زرع قيمة وسلوك إيجابي لديه.

وبما أنّ الطّفل يتعلّم من خطئه، لذلك علينا عندما يتعثّر ألاّ نسامحه، لأنّه لم يفعل ذنباً يحتاج إلى عقوبة أو مسامحة، إذا أخطأ الطّفل فهذا معناه أنّه يتعلّم، وهل جرت العادة أن نسامح الأطفال عند تعلّمهم؟!، بل على العكس تماماً يجب أن نفرح ونسرّ وندعم التّعلّم ونشجعهم على المزيد من التّعلّم والمزيد من الأخطاء والمزيد من الخبرات.

سابعاً: يجب علينا نحن الآباء والمربين أن نعاقب أنفسنا أولاً:الحقيقة عندما نستنفذ جميع الوسائل والطّرق، ونجد أنّه لابدّ من العقاب، فيجب أن نعاقب أنفسنا أولاً، لأنّنا فشلنا في تعليم هذا الطّفل الصّغير المستعد لتعلّم جميع أنواع السّلوك الجيّد، ولم نحترم أنّه مجبول على الفضول وحبّ الاكتشاف والرّغبة في التّعلّم.

يقول السّيد عماد لجريدة (النّور): (أنا لا أنسى اليوم الّذي تأخرتُ فيه عن موعدٍ مهم مع والدي، بسبب انشغالي باللّعب مع رفاقي. وحين سألني عن سبب تأخري، خفت من أن أذكر له الحقيقة فكذبت عليه، ولكنّه كان يعلم السّبب الحقيقي لتأخري، وتوقعت أن يعاقبني ويوبخني بشدّة، ولكنّه على العكس، نظر إليّ بمحبة وقال: أعتذر منك يا بنيّ لأنّي أجبرتك على الكذب، لابدّ من أنّي تصرفتُ معك يوماً بطريقة جعلتك تخاف وتخشى مصارحتي. لا بأس عليك يا بنيّ سأعاقب نفسي اليوم بالعودة إلى البيت سيراً على الأقدام لأراجع نفسي ولأكتشف خطئي، لأنّي أنا المسؤول لا أنت، ثُمَّ أضاف السّيد عماد قائلاً: في ذلك اليوم تعلّمت معنى تحمّل المسؤولية).

إذاً ليس الهدف من العقوبة هو الانتقام من المخطئ، بل الهدف الحقيقي هو مساعدته على تجاوز الخطأ، لذلك علينا نحن المربين والآباء أن نعمل بنظام الاتفاقيات، ولكن ما هو السّبيل إلى تحقيق ذلك؟!

من الضّروري أولاً أن تختار مكاناً مناسباً لتجلس فيه مع طفلك، وذلك عندما يكون مزاجه جيّداً وتكون أنت المربي أيضاً بحالة من الهدوء، وأن تشركه بالاتفاق على النّقاط الآتية:

* ما هي الأهداف الّتي ترمي إليها؟

* ما هي الإرشادات العامة الّتي ترغب في تقديمها؟

* ما هي الإمكانات المتاحة لتحقيق ذلك؟

* ما هو الأسلوب الصّحيح للمساءلة، عند حدوث خطأ ما؟

بعد ذلك يوقع كل طرف على بنود الاتفاقية المتفق عليها. ولكي يكون أسلوب الاتفاقيات مجدياً، يجب ألاّ تجلس مع طفلك وقد قمت مسبقاً بتجهيز أجوبة الأسئلة السّابقة، حتّى لا تتحول الاتفاقية إلى اتفاق من طرف واحد، وتذكّر دائماً أنّ الإنسان يلتزم عادةً بما يُلزم نفسه به، في حين ينفر مما يفرضه عليه الآخرون، كما عليك تذكّر أنك مربّ، ودورك مختلف عن دور القاضي والشّرطي والمحقق والسّجان. فالقاضي يحكم على الآخرين، بينما المربي يستوعب ويعطف على الآخرين. الشّرطي يحفظ النّظام ويتتبع المجرمين، بينما المربي يحفظ نفسية الطّفل وعقله وقلبه وروحه ويتتبع الإيجابيات ليبني عليها. المحقق يستجوب ويسأل ويتهم، بينما المربي يتفهم ويعذر ويرحم ويوّجه. وأخيراً السّجان يعاقب ويجلد، بينما المربي يصبر ويصطبر.

أخيراً يسأل السّيد توفيق: ما هي الطّريقة الفعالة والبسيطة والسّريعة في التّربية؟ يجيب الاختصاصيون التّربويون ويوضحون أنّه إذا ارتكب طفلك خطأ ما فانظر في عينيه مباشرة، وأعد عليه ما فعله باختصار، دون أن يأخذ من وقتك إلاّ ثواني معدودة. اشرح له في النّصف الأوّل من الدّقيقة، ثُمّ خذ نفساً عميقاً واشعرْ بالهدوء النّفسي. وفي النّصف الثّاني من الدّقيقة انظر في عينيه مباشرة بطريقة تشعره بأنك إلى جانبه وليس ضده، وأنّك تحبّه ولكنك انزعجت قليلاً من سلوكه، من الضروري أن تخبره بأنّه ولد طيب، وبأنّك تتوقع منه سلوكيات مختلفة، ثمّ ضمّه بقوة وأخبره كم تحبّه، عند ذلك تكون قد حققت النّتائج الآتية:

* أصبح الطّفل يعرف أنّه تصرف تصرفاً خاطئاً.

* أدرك أنّك تحبّه لأنّه ولد طيب.

* عرف أنّ لديه بدائل وخيارات كثيرة.

ويوضح الاختصاصيون أنّ الطّرق السّابقة مبنية على فهم عميق للنفس البشرية وقوانينها ومبادئها، ولذلك هي لا تصلح فقط مع الأبناء وإنما في أيّ مجال من مجالات التّواصل الإنساني.

العدد 1140 - 22/01/2025