قناة «تـلاقـي» التـلفزيـونية محـاولة لتلاقي الجميـع بصراحة وشفـافيـة
في غمرة الأحداث والأوجاع التي تثقل كاهل الإنسان السوري في هذه الأيام، وفي سيل الفضائيات والقنوات المتعددة المشارب، وفي الوقت الذي يحتاج فيه الإنسان العادي إلى الاقتراب أكثر من روحه وبوحه الداخلي، تأتي قناة (تلاقي) السورية لتحقيق شيء من التوازن والاعتدال للمشاهد، وتعيد الكثير من المفتقد للحياة اليومية ولتصبح أكثر ألقاً في الموسيقا الأصيلة والشعر والمسرح والسينما.
وتحاول (تلاقي) إخراج المشاهد من الضبابية في المشهد السوري، بلغة أكثر طراوة وحداثة وبساطة، وتأخذه إلى أماكن أكثر أماناً وإبداعاً وتلاقياً، وربما كان لعنوان القناة (تلاقي) القدرة على إحالة المشاهد إلى قبول التنوع واحترام الآخر والالتقاء مع الجميع في زمن التمترس والتخندق خلف أفكارٍ تجاوزَها الإنسان السوري منذ عهود، وأصبحت بعيدة عن ثقافته وتربيته المؤسسة على التعايش والانسجام. هنا تأتي قناة (تلاقي) لتحل محل الانقسام بلغة شفافة وبسيطة وغير مباشرة، فحين تعالج قضايا اجتماعية عامة في الصحة والرياضة والثقافة فإنها تعكس أفكار الإنسان السوري العادي المهتم بقضاياه اليومية والحياتية المباشرة.
فمنذ الساعات الأولى لليوم السوري تفتح (تلاقي) للمشاهد آفاق الجمال، وتبث عدداً من أغنيات السيدة فيروز، ومجموعة من الاسكتشات الرحبانية النادرة التي تفتقدها أغلب الفضائيات العربية، إضافة إلى لقطات فوتوغرافية للطبيعة بدقة عالية وصفاء كبير.
يبدأ اليوم بثلاثة برامج تبث على الهواء مباشرة أولها برنامج »جريدة الصباح« الذي يقدم في محتواه صفحات جريدة تلفزيونية بأسلوب جديد، ثم برنامج »صباح تلاقي« الذي يرصد أغلب حالات الواقع الاجتماعي والصحي والثقافي والفني، إضافة إلى لقاءات مع متخصصين في مجالات اجتماعية عامة، ثم برنامج »يحدث اليوم« وهو يستضيف يومياً كتاباً ومحللين سياسيين للتطرق لآخر المستجدات التي تجري محلياً، عربياً ودولياً.
وتبدأ القناة بعد هذه البرامج بث برامحها الأسبوعية المتنوعة كالبرامج الثقافية والصحية والرياضية، إضافة إلى برامج تتعلق بقضايا الشباب المعاصر ومخاطبته بلغته العصرية، وخصوصاً في برنامج (شباب شو)، ناهيك بالأعمال الدرامية.
وللوهلة الأولى، يجد المشاهد نفسه أمام جملة من البرامج الجديدة والطازجة مقارنة بتجربة الإعلام السوري المرئي، ولا شك أن الإطار العام للمشاهد واللقطات البرامجية المختلفة خففت من العبء الثقيل الذي تعوده المشاهد السوري في النمطية الثابتة التي تميز الإعلام المرئي المحلي.
لكن المشاهد المحلي لم يبق معزولاً عن التجارب الإعلامية العربية الجديدة، وأصبح له قدرة كبيرة في التمييز بين البرامج الناجحة التي تحقق حضوراً عربياً كبيراً، وبين البرامج الجديدة التي تبثها قناة (تلاقي). فبمجرد أن يضع المشاهد المقارنة هنا بين هذه التجارب فإنه يحيل تجربة (تلاقي) إلى التقليد أو الاستنساخ أحياناً لبعض البرامج التلفزيونية العربية، وخصوصاً في البرامج التي تحتاج إلى البث المباشر. فبرنامج (صباح تلاقي) يشبه في كثير من المواقع البرامج الصباحية العربية التي تبثها القنوات العربية، ولا تبدو خصوصية المكان الذي تُبث فيه إلا اللغة التي يتخاطب بها مقدمو البرامج أو الضيوف، إضافة إلى افتقاد الطلاقة والبساطة والعمق في طرح الفكرة في أداء الإعلاميين، فمازال الاستعراض سيد الموقف في أداء المذيعات كذلك الانتقال غير المبرر من فكرة إلى أخرى والنقلة المفاجئة إلى الفقرة الأخرى، دون مقدمات لغوية أو فنية تقنية. لكن (تلاقي) نجحت في البرامج المنوعة الأخرى، فكانت الحداثة والجدة تبدأ من عناوين البرامج إلى خواتيمها، مروراً بعناوين الفقرات التي ابتعدت عن النمطية السائدة في العناوين المحلية المعروفة، فالبرنامج الرياضي لم يشر إلى الملاعب بكلاسيكية أو نمطية، بل إلى خطة (4ـ 4ـ 2)، وكذلك البرامج التي تتعلق بشؤون السنيما والمسرح والموسيقا كبرنامج (محكومون بالأمل)، ومن هنا أخذت العناوين الجدة بكل أبعادها، فعنوان (لونغا) هو تعبير حقيقي عن الموسيقا الشرقية عموماً والعربية خصوصاً، إضافة إلى البرامج التي تساهم في أرشفة الفنون والإبداع، وكذلك الشخصيات الإبداعية العالمية والعربية والمحلية في التصوير الضوئي والتشكيل والموسيقا والأدب. وفي النهاية يمكننا القول إن قناة تلاقي الحديثة العهد تشكل فاتحة خير لفضاءات إعلامية جديدة ومعاصرة تبتعد عن الخطابة المباشرة، وتقدم النموذج الأمثل للعلاقة الجدلية بين المشاهد والتلفزيون ليصبح أيضاً أكثر ألقاً وجمالاً وإبداعاً، وكي تصل القناة في النهاية إلى هدفها الأسمى، وهو تلاقي الجميع في سبيل وطن أجمل أكثر أماناً واستقراراً.