من سيحمي أولادنا من ظاهرة الهروب من المدرسة؟!

ما هي الأسباب الّتي تؤدي إلى هروب التّلميذ من المدرسة؟!

تعني كلمة هروب، خروج التّلميذ من المدرسة دون إذن مسبق وبطرق غير صحيحة، كالقفز من على السور، أو التعذر بأعذار واهية ومغافلة بواب المدرسة والهرب، إلخ.. وفي بعض الأحيان يعود التّلميذ بالأسلوب نفسه الذي غادر فيه المدرسة لاستكمال يومه، أو قد لا يعود أبداً بل يقضي يومه في الشّارع.

على من تقع المسؤولية؟! يتحمّل مسؤولية تسرب التّلاميذ من المدارس عدّة جهات، منها: المدرسة نفسها، والأسرة، كما تتحمل البيئة المحلية الجزء الأكبر من ظاهرة هروب التّلاميذ وتسربهم من المدارس.

مسؤولية المدرسة

* المبنى المدرسي: شكل البناء الذي يمكن القفز بسهولة من على سوره، عدم وجود مكان مريح ليرتاح فيه التّلميذ داخل المدرسة، المرافق الصّحية والضّرورية غير المكتملة أو غير الصالحة للاستعمال.. إلخ.

* المعلّم: باتباعه طرقاً تقليدية جداً في التّعليم، لا يعتمد على الأنشطة والوسائل التّوضيحية، وهذا يدلّ على أنّه غير متمكن من مادّته العلمية. مما يؤدي إلى اهتزاز ثقة التّلاميذ به، فيبتعدون عنه وعن المدرسة. عدم قدرته على إدارة صفّه مما يدفعه إلى اللّجوء إلى الصّراخ والتّفوه بكلمات نابية، الأمر الّذي يدعو التّلميذ إلى الشّعور بأنّ وجوده في الصّفّ مضيعة للوقت.

* إدارة المدرسة: تتحمّل إدارة المدرسة المسؤولية الأكبر في هروب التّلاميذ؛ فسامر تلميذ في الصّف السّادس، لا يحبّ الذّهاب إلى المدرسة، بسبب مدير المدرسة إذ يقول: (إنّ مدير مدرستي متسلّط لا يجيد التّحدّث لا مع المعلّمين ولا معنا نحن التّلاميذ، فهو دائماً يصرخ ويشتم ويوبخ، لذلك أنا لا أحبّ المدرسة لأنّني أشعر بأنّني في سجن. إذا تغيّر المدير فسأعود إلى المدرسة لأنّني أحبّ الدّراسة).

أّمّا سلمى، وهي تلميذة بالصف الثامن؛ فهي تهرب من المدرسة لأن لا أحد يهتم لوجودها أو غيابها، فالمدير غير موجود في المدرسة، وداخل الصّفّ دائماً تتعرض لانتقادات من رفيقاتها، ولا يوجد أحد من المربين أو الموجهين ليسمعها ويضع حدّاً لسوء المعاملة، فقرّرت عدم الالتحاق بالمدرسة، كي تتجنب سخرية صديقاتها بها.

الأسرة والبيئة المحلية أو المجتمع: ما هو دور الأسرة من هذا؟

للأسف مازال الكثير من الأسر يفضلّون إرسال أولادهم إلى الشّارع للتسوّل، وتحصيل النّقود، وذهابهم إلى المدرسة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى غياب الكثير من الآباء عن منازلهم، خاصّةً في ظلّ هذه الظروف الّتي يعيشها الوطن، دفع بالكثير من الأمهات إلى إرسال أبنائهن إلى سوق العمل لتحصيل لقمة العيش.

يسكن رامز البالغ من العمر 12 سنة، هو وعائلته في أحد مراكز الإيواء، قُتل والده على يد الإرهابيين عندما اقتحموا بيتهم، خرج هو وأمّه من المنزل دون أن يأخذوا معهم شيئاً، فهم لا يملكون غير الثياب الّتي تستر أجسادهم. يقول رامز: أنا أتابع دروسي في مركز الإيواء، ولكن ليس دائماً، لأنّني أهرب كي أجلب النّقود لوالدتي الّتي تتركني بمفردي لكي تذهب للبحث عن عمل. وقد تعرّفت في الشّارع على شاب عمره 20 عاماً فرض عليّ إعطاءه 500 ليرة سورية يومياً، يضيف رامز باكياً أنا أحبّ الدّراسة كثيراً، ولكن لا يوجد من يساعدني!

أمّا نسرين الّتي تبلغ من العمر 13 عاماً، فهي موهوبة بالرّسم وتحبّ كتابة القصّص كثيراً، ولكن والديها وأقاربها لا يملكون أدنى درجات الطّموح لدعمها. بل على العكس إنّهم يحاربونها، ويهددون بضربها إذا شاهدوها ترسم أو تكتب. وقد تجرأت والدتها وقالت لها: إذا رأيتك ترسمين أو تكتبين قصّة فسأمنعك من الذّهاب إلى المدرسة، وأوصت إدارة المدرسة بنهرها بشدة إذا شاهدوها ترسم أو تكتب، الأمر الّذي دفع نسرين إلى النّفور من المدرسة أيضاً والهروب. وقد أصبحت الآن ضحية الشّارع بسبب انعدام طموح الأهل وعدم توفر الوعي اللاّزم بالقائمين على العملية التّعليمية لمعالجة الموضوع بهدوء.

وهنا يأتي دور المجتمع المتمثل بمؤسساته، كالإعلام الّذي لا يسلط الضّوء الكافي على مثل هذه الظّاهرة، بل على العكس يتناولها على طريق المزاح. وقد نشرت إحدى الشّبكات الإخبارية على صفحاتها صورة لتلاميذ يهربون من على سور المدرسة، وأشارت إلى الصّورة بضحكة، وكان ذلك في أوّل يوم دوام مدرسي. فأين هو الإعلام من هذه المشكلة الكبيرة الّتي كانت السّبب الرّئيسي لانحراف أولادنا في بداية الأزمة؟ ومتى نحمل مسؤولية المواطنين الحقيقيين، ونعمل على رفع مستوى الوعي لدى العامة بتعويدهم على تحليل المعطيات لمعرفة واقعهم وأبعاد الموضوع؟!

كما تتحمّل الإدارة التّعليميّة المتمثلة بوزارة التّربية والتّعليم الجزء الأكبر من هذا التّسرب، وذلك لعدم تبنيها هذه الظاهرة حتى الآن. فالجهود الّتي تبذلها بسيطة جداً أمام المشكلة والعواقب الّتي تنتج عليها. فهي لا تعمل على نحو جدي على وضع معايير حقيقية لمديري المدارس. و لا تضع قوانين لمتتابعة مثل هذه القضايا، مما يدفع المدير والطّاقم الإداري إلى التّسيّب وعدم الالتزام.  كما عليها النّظر بمسألة الدّروس الخصوصية هذه الظّاهرة الّتي مازالت منتشرة بقوّة، والّتي تمنع التّلميذ من تقدير تعليمه داخل حجرة الصف، لأنّه مدرك بأنه سيكون هناك من يعيد عليه شرح الدّرس مرّة ثانية في البيت. لذلك يلجأ إمّا إلى الهروب من المدرسة كي يتسلّى ويلعب في الشّارع مع رفاقه، أو إلى إثارة الشّغب والفوضى داخل حجرة الصّفّ، مما يؤثر سلباً على رفاقه فيكون حجر عثرة لغيره.

ما هو الحل.. وكيف نعالج المشكلة؟!

علينا البدء من المدارس ومراكز الإيواء، بدعم المنهج المدرسيّ بالأنشطة الكافية والحقيقية لكي تحفز التّلميذ على الالتزام بالدّوام، وربط العملية التّعليمية بالتطورات الّتي تحدث في المجتمع لكي يستمتع التّلميذ ويشعر بأنّها تواكب طموحه وتطلعاته. ودعم المواهب والإبداع لدى التّلميذ لكي يشعر بوجوده وبأنّه شخص مهم وله دور؛ والعمل على نشر الوعي داخل الأسرة، والبيئة المحلية، والإعلام بتسليطه الضّوء على المخاطر التّربوية النّاجمة عن هذه الظّاهرة. أولادنا هم مستقبل سورية وأملها، لذلك تقع علينا جميعاً مسؤولية تأمين بيئة آمنة وصالحة لحمايتهم من الشّارع وأخطاره.

العدد 1140 - 22/01/2025