ماركس.. العقدة والحل
في أثناء عملي محرراً لمجلة (الجديد) صادف أن وقع بين يدي عدد من مجلة (الطريق). وكان هناك نص جديد بالنسبة لي، من أعمال كارل ماركس، وكان حول موضوع (الاستنكافية)* وأعجبت بالنص، وأعدت نشره كاملاً في (الجديد). ثم أتيحت لي الدراسة في موسكو وتعمقت علاقتي بالنصوص الماركسية لا سيما (رأس المال).
كما تلاحظ أيها الرفيق العزيز محمد، فقد تكررت كلمة الاعتراف في رسالتي هذه أكثر من مرة. واسمح لي أن أضيف اعترافاً آخر لتبرئة ضميري إزاءك وإزاء ماركس وإزاء نفسي:
– في السنوات الأخيرة، وعلى ضوء مجريات الأمور في عدد من الأقطار الاشتراكية، وعلى ضوء صيغ التفاعل العالمي مع مأساتي الفلسطينية، فقد أخذت تشغلني بضع مراجعات وتساؤلات حول العلاقة الجدلية بين الماركسية في النظرية والتطبيق. ولعل بعضاً من هذه المراجعات والتساؤلات حول ظواهر (الثورة الثقافية) في الصين، وتقديس الشخصية في رومانيا وكوريا، والانعزالية في ألبانيا، والجمود العقائدي والطفيلية والانتهازية والتحريفية التي أسهمت في بروز ظاهرة ليخ فاليسا، أصبحت هماً كابوسياً بالنسبة لي ومسّت باليقينية الجارفة التي تولّد (أو يولّدها) الحماس البريء إلى حد السذاجة أحياناً.
في هذه الأيام تبرز مرة أخرى مسألة (الشك العلمي) في قضايا عدة حول الحزب الشيوعي المعارض والحزب الشيوعي الحاكم، الحركة الشيوعية وإسرائيل، الحركة الشيوعية والعالم الرأسمالي، الحركة الشيوعية وحركات التحرر القومي، ثم قضية العلاقات داخل الحركة الشيوعية ذاتها. فحالة التشتت التي جعلت أكبر دولة شيوعية (الصين) حليفاً موضوعياً لأكبر أعداء الشيوعية (الولايات المتحدة)، و(حيادية) رومانيا و(لا مبالاة) ألبانيا، والتفاوت داخل الأحزاب الشيوعية في العالم الرأسمالي، كل ذلك يستدعي ما يمكن أن تسميه عملية نظر شاملة أو عملية ترميم تاريخية.
عوضاً عن مؤتمرات البحث والتنسيق في الشؤون الاقتصادية والسياسية والدولية، فإن حركتنا بحاجة ماسة للغاية إلى مؤتمرات النقد والنقد الذاتي على المستويين الإيديولوجي والتطبيقي. إن كنس الغبار تحت السجادة، كما يقول المثل، لا يمكن أن يلغي الضرورة الملحة لعمليات جرد الحساب الجريء والمخلص والثوري فعلاً.
قد يأخذ البعض من أخطار العدو الإمبريالي الرأسمالي ذريعة لكم الأفواه بحجة المسؤولية المرحلية. بيد أن المسؤولية المرحلية مرتبطة عضوياً بالمسؤولية التاريخية، ولا يجوز التغاضي عن أي خلل مرئي كثيراً أو شرخ عميق في النموذج الاشتراكي العلمي المطروح منذ عقود كبديل وحيد أمام الجنس البشري.
إن البديل الماركسي هو، بحق، البديل الوحيد، وحتى يظل بديلاً وحيداً بحق، فإننا مدعوون إلى أقصى درجات الجرأة والمسؤولية في المراجعة والمتابعة وتطوير الذات بما يكفل تغيير العالم: هدفنا الإنساني الثوري العظيم.
(*) هذا النص جزء من حديث للراحل سميح القاسم نشرته مجلة (الطريق) اللبنانية في عددها الخاص المكرس لمئوية كارل ماركس، شباط 1984.