المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري (الموحد): اشتداد الحرب الاقتصادية على سورية

أوباما يتعهد مجدداً بدعم المسلحين  المطلوب الآن وقف استنزاف سورية من الداخل

حل مسألة الموقوفين وإطلاق سراح السياسيين والأبرياء تسهيل حصول المواطن على السلة الغذائية المدعومة

 

عقد المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري (الموحد) في 14/7/،2013 اجتماعه الدوري، بحضور هيئة رئاسة اللجنة المركزية للحزب واستمع الاجتماع إلى تقرير قدمه الرفيق حنين نمر، الأمين العام للحزب، وهذا نصه:

لاتزال المنطقة تغلي، وتتقاذفها البراكين والحمم، متنقلة من بلد إلى آخر، وتأخذ أبعاداً متسعة باستمرار من البعد المحلي المتعدد الأشكال، إلى البعد الإقليمي الذي لا يبدو أن بلداً من بلدانها في منأى عنه، ويشارف هذا الغليان حدود الإقليم ليمس المناطق الحساسة في العالم كله، في سابقة خطيرة لم يحدث شبيهاً بها منذ الحرب العالمية الثانية. يحدث ذلك كله دون وجود إمكانية للتنبؤ بالمستقبل وتحديد وجهة سير الأحداث.

ولم يكن انفجار الأزمة والحرب على سورية وفيها، هي السبب في تشكل هذه اللوحة المعقدة، إذ إن هذه الأزمة لم تكن إلا إشارة على تفجر جميع أشكال التناقضات التي تختزنها المنطقة، وكانت تخفي وراءها حروباً مُضمرة ومصالح متنافرة وأوضاعاً مرشحة للانفجار. ونعني بكل ذلك الصراع على ثروات المنطقة وموقعها، وعلى قضية فلسطين، والنضال التحرري ضد الهيمنة الإمبريالية، إلى النضال ضد الأنظمة الاستبدادية، ومن أجل الديمقراطية واللحاق بركب العالم المتقدم.

جنيف 2 .. عقبات

وخلال الخمسة عشر يوماً الماضية، برزت قضية التحضير لمؤتمر جنيف الثاني، بعد الإعلان عن الاتفاق الأمريكي – الروسي على ذلك.

وقد أشاع ذلك بعض الارتياح على مختلف الأصعدة، لما يحمله من بوادر انفراج وسلام. ولكن سرعان ما تبدد هذا الأمل مع القرارات التي أصدرها مؤتمر وزراء الخارجية العرب ولجنة المتابعة العربية ومقررات اجتماع (أصدقاء سورية) في الدوحة، التي نصت على تسليح المعارضة السورية لتحقيق توازن عسكري بين الجيش العربي السوري والمجموعات الإرهابية المسلحة، بعد هزيمتها في معركة القصير.

وقد أحدث هذا القرار ارتباكاً عالمياً كبيراً تجلى بانقسام في الكونغرس الأمريكي بين مؤيدين ومعارضين له، حتى إن بعض لجان مجلس النواب تضغط الآن على الرئيس أوباما لمنع تصدير الأسلحة إلى المجموعات المسلحة بسبب احتمال وقوعها بيد المجموعات الإرهابية. كما اتسعت دائرة الرفض لهذا القرار لتشمل أوربا، بعد أن انضمت بريطانيا إلى الدول الأوربية التي ترفض هذا التسليح للسبب ذاته. ولم يبق عملياً إلا فرنسا التي يبدو أنها قد تدخل قريباً قائمة الدول المترددة حول هذا الموضوع. وحتى على المستوى العربي الرسمي لم يتمكن حكام قطر السابقين من الحصول على إجماع عربي على ذلك، فضلاً عن الاستياء الشعبي العربي العارم ضده. لقد تباينت التحليلات حول حقيقة الموقف الأمريكي، فمنها ما ذهب إلى أن الإدارة الأمريكية ليست مستاءة ضمناً من رفض قضية التسليح، إذ إن اللجان العسكرية والاستخبارية المختصة حذرت من عواقبه على الأمن القومي الأمريكي.

لكن تحليلات أخرى تقول إن ما يجري ليس إلا مناورة أمريكية لإخفاء حقيقة أن تحضيرات واسعة النطاق تجري على الأرض بين الولايات المتحدة وإسرائيل لتوجيه ضربة عسكرية لتدمير مواقع استراتيجية سورية.

وهنا يأتي دور العقبة الثانية التي اختلقها الأمريكيون وحلفاؤهم للتنصل من دعوة مؤتمر جنيف،2 ولتحضير الأجواء للضربة العسكرية المتوقعة. وهذه العقبة هي قضية استعمال الأسلحة الكيماوية المزعومة ضد المتمردين من قبل الجيش السوري. هذه القضية التي فاحت منها رائحة الكذب والتلفيق منذ اللحظات الأولى لاختراعها، فقد وضعت هذه القضية في أدراج الإدارة الأمريكية، بعد أن طلبت سورية ذاتها فتح تحقيق دولي حولها، ولكنها تسحب من الأدراج، كلما كانت تحتاج إلى ذريعة ما لإضعاف سورية ونصرة المجموعات المسلحة على جيشها. وفي المرحلة الحالية تعود هذه القضية للبروز ثانية، من أجل ضرب مشروع جنيف ،2 أو التحضير لتدخل عسكري مباشر ضد سورية.

أما العقبة الثالثة أمام هذا المؤتمر فتتمثل في الادعاء الأمريكي بعدم قدرته على إقناع المعارضة بقبول الاشتراك في المؤتمر، بسبب الخلافات الشديدة التي تعصف بالمعارضة الخارجية المسلحة، التي وصلت إلى حد التصفية الجسدية وقطع رؤوس بعضهم بعضاً. ومع أن تناقضات هذه المعارضة هي أمر واقع، ولكن لدى الجميع القناعة التامة أن أسياد هذه المعارضة هم الأمريكان أنفسهم، وهم القادرون وحدهم على سوقهم إلى قاعة المؤتمر، فلا حياة ولا قدرة لها على رفض الإملاءات الأمريكية.

وبرزت في سياق التحضيرات لعقد هذا المؤتمر قضية اشتراك إيران في المؤتمر أو عدم اشتراكها. ويحاول الأمريكان في هذا الصدد عزل إيران عن التأثير في شؤون المنطقة، الأمر الذي يجد استجابة له في أوساط الرجعية العربية التي تغذي الآن الخلافات المذهبية في المنطقة وجعلها الشكل الرئيسي للصراع فيها.

تطورات دراماتيكية.. تركيا.. مصر

وفي خضم الخلافات حول عقد مؤتمر جنيف ،2 برزت في المنطقة تطورات دراماتيكية غيّرت الكثير من المعطيات، ومن موازين القوى، ومن طبيعة القوى اللاعبة في المنطقة.

فقد حدثت انتفاضة شعبية واسعة النطاق في تركيا، فجّرت جميع التناقضات التي تعيشها هذه الدولة، من تناقضات قومية وإثنية ومذهبية وطائفية، دفعة واحدة، وأظهرت هشاشة نظامها الذي وقف على حافة الهاوية. وكان للعامل السوري – كما يقال- دور في وقوف أكثرية تركية كبيرة ترفض زج بلادها في أتون معركة ضد سورية. ثم ما لبث أن حدث الزلزال المصري الذي نشرت (النور) تحليلات وافية حوله. إن ما جرى يعدُّ، بجميع المقاييس، تغيُّراً استراتيجياً يتعدى حدود مصر ليصل إلى الوطن العربي بكامله، بل إلى الدول الإقليمية التي برز دورها في السابق على حساب الدور المصري الذي يستحق، لأسباب عديدة، أن يكون الدور الرائد فيها.

وسيكون لهذا الحدث العظيم تأثير على مجرى الأمور في سورية، رغم خشيتنا من احتواء الولايات المتحدة والسعودية الحكم الجديد.

وهو يبرهن على أن الشعوب تمهل ولا تهمل، وأن حركة التحرر الوطني العربية رغم الانتكاسات الأليمة التي حلّت بها إثر هزيمة حزيران ،1967 تختزن طاقات ثورية جبارة، وأن الأزمة فيها هي أزمة قيادة بالدرجة الأولى. وبالطبع لا يمكن استبعاد دخول مصر مرحلة من عدم استقرار أمني بفعل تحريض الإخوان على التحرش المسلح بالجيش المصري. ولكن الملايين الثلاثين الذين نزلوا إلى شوارع مصر  قادرون على صد أية ثورة مضادة.

تعديل ميزان القوى؟!

إن ما سبق ذكره يؤدي بنا إلى استنتاج مفاده أن ميزان القوى يميل أكثر فأكثر لصالح سورية، التي عجز خصومها وأعداؤها، بدءاً من الولايات المتحدة وأوربا وتركيا وبعض دول الخليج، عن إركاعها وليّ ذراعها، ليس فقط بسبب المتحولات الإقليمية والدولية، بل لصمود جيشها والإنجازات العسكرية التي حققها بالدرجة الأولى، والتي يُتوقع ازديادها وتطورها، مع أن الشعب السوري يؤكد حرصه الشديد على إعطاء الأوّلية للحل السياسي ليتمكن من إعادة بناء بلده على أساس ديمقراطي مدني وتقدمي.

ومن أجل استكمال صورة الوضع العربي المحيط بسورية، لابد من أن نعرج على التطورات التي جرت في بعض دول الخليج مؤخراً.. فقد أُقصي حكام قطر عن السلطة بقرار أمريكي واضح ومعلن، ويعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى تجاوزهم الدور المرسوم لهم، ومحاولتهم تجاوز دور السعودية، لا في الشأن السوري فحسب، بل في كل دول المنطقة، إذ حاولوا أن يلعبوا دور المملكة العظمى بالأموال الهائلة التي توفرها لهم الثروة الغازية التي يمتلكونها.

ويمكن القول الآن إن الملف السوري قد أفلت من يد حكام قطر السابقين، لينتقل إلى السعودية، التي بادرت مع الإمارات والكويت، إلى محاولة احتضان الحكم الجديد في مصر، وضخ مليارات الدولارات إليها، لا حباً بمصر أو تقديراً لظروفها، إنما من أجل الحيلولة دون تحول مصر إلى دولة عربية رائدة، واختطاف هذا الدور المرتقب منها. فالعربية السعودية تنصّب نفسها المركز الإسلامي الأول في العالم، وهي لا تريد لمصر أو لإيران أو لتركيا أن تتحول إلى المركز الإسلامي الأول في العالم، وهي لا تستبعد أن تنضوي سياستها حيال الملف السوري تحت جناح الولايات المتحدة وتكتيكها فيما يتعلق بالموقف من مؤتمر جنيف 2 أو غيره، إذا ضمنت لنفسها دوراً قيادياً إسلامياً وعربياً. وهذا ما يفسر، إلى حد كبير، التغييرات المتواصلة في قيادة المعارضة السورية الخارجية، وصولاً إلى تنصيب أحد المحسوبين عشائرياً وسياسياً على السعودية زعيماً لهذه المعارضة. ولا يستبعد في هذا المجال أن يتم التنسيق بفعالية أشد بين السعودية والولايات المتحدة لمعالجة الملف السوري وفق السياسة المزدوجة والمناورة التي تتبعها الولايات المتحدة الآن. فهي تقوم الآن بتسليح المعارضة السورية المسلحة رغم عدم وجود قرار رسمي من الإدارة الأمريكية بإجازة ذلك، وتشجِّع باقي الدول على إرسال الأسلحة والمرتزقة إلى سورية، دون أن تكف عن الإعلان اللفظي عن استمرار تمسكها بالدعوة إلى مؤتمر جنيف ،2 أملاً في قلب موازين القوى العسكرية لصالح المجموعات المسلحة، لتدخل إلى المؤتمر من موقع قوة أفضل.

في الوقت ذاته تشهد دول المنطقة تطورات ذات صلة مباشرة بالوضع السوري. ففي لبنان حاولت المجموعات التكفيرية بمساندة قوى 14 آذار تفجير الوضع في صيدا وطرابلس، لإحداث حالة من الفوضى تمتد إلى الحدود اللبنانية- السورية، تسمح لهذه المجموعات بتسهيل تهريب الأسلحة والعتاد والمقاتلين المرتزقة للقتال ضد الجيش السوري. ولكن هذه المحاولة فشلت، لكن الوضع  اللبناني لايزال محتقناً.

أما العراق فهو يغلي على ضوء النشاط الإرهابي الدموي الذي تقوم به منظمة القاعدة التي شكلت دولة الإمارة الإسلامية في بعض أنحائه، واتسع نطاق هذا النشاط خصوصاً بسبب موقف الحكومة العراقية التي رفضت أن يكون العراق مستقراً أو ممراً لهذا النشاط الذي يروح ضحيته مئات الضحايا والمصابين يومياً.

أما الأردن الذي رضخ على ما يبدو للضغوط والإغراءات الأمريكية، وسمح بإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية لتدريب بعض المرتزقة السوريين وتأهيلهم للتسلل إلى سورية والقيام بأعمال تخريبية فيها، فهو يعيش حالة انقسام داخلية نتيجة رفض قسم كبير من الشعب الأردني تحويل أرض بلادهم إلى مركز انطلاق ضد سورية، حتى إن بعض قطعات الجيش وقسم من العشائر هددوا بقتال كل من يتآمر على سورية، وبالوقوف إلى جانبها، ومع ذلك فإن محافظة درعا قد تشهد تصعيداً جديداً يجب الانتباه إليه.

استنتاجات ومهام

بعد هذا الاستعراض السياسي السريع، يمكن أن نخلص إلى القول:

1- إن المشروع الأمريكي – التركي – القطري لتسليم زمام الأمور في المنطقة إلى الإخوان المسلمين والجماعات التكفيرية قد فشل في كل من سورية ومصر، ويعاني وضعاً صعباً في العراق ولبنان، وهو في طريقه إلى الفشل في تونس، ومصاب بعطب شديد في مركزه الرئيسي تركيا.

2- إن الولايات المتحدة وأوربا محكومة بمعادلات صعبة تمنعها من شن عدوان مسلح على سورية خارج إطار مجلس الأمن، ولكنها ستستمر في تزويد المعارضة بالسلاح والمال والرجال، برغم تناقضها مع القاعدة والمنظمات الإرهابية الأخرى، وليس مستبعداً أن يفضل الغرب الاعتماد على هذه القوى مرحلياً لضرب الدولة السورية وإطالة أمد القتال، قبل أن يندار لضرب هذه المنظمات نفسها.

3- من المرجح أن تكثف جميع القوى المعادية للدولة السورية نشاطها في هذه الفترة ما قبل أيلول القادم، لتعديل ميزان القوى، بحيث يميل إلى جانب هذه المعارضة، وهو أمر ضعيف الاحتمال، على ضوء صمود الشعب والجيش السوري.

4- على ضوء كل ذلك، نؤكد اتجاه الحزب الأساسي في الدفاع عن الوطن في حال ارتكاب الغرب لحماقة عسكرية من أي نوع كان، والتصدي لكل نشاط إرهابي، واستمرار السعي للحل السياسي للأزمة السورية عبر مؤتمر جنيف ،2 والحوار مع المعارضة الوطنية الداخلية لحضور المؤتمر، والمشاركة في الحل السياسي، ومتابعة النضال من أجل الحريات الديمقراطية، وللسير في طريق التغيير الديمقراطي السلمي، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتطبيق أحكام الدستور بشأنهم، وبخاصة تحديد فترات الاحتجاز المؤقت، وإنهاء مأساة المهجرين الداخليين والخارجيين، وإطفاء لهيب الأسعار ومحاربة الفاسدين وتجار الأزمات بشدة، والقضاء على المتلاعبين بالعملة الوطنية، ووضع الأسس لإعادة إعمار البلاد على أسس وطنية.

العدد 1140 - 22/01/2025