نالوا الشهادة.. ولم يحظَ ذووهم بالعون والرعاية الواجبة
تشهد سورية اليوم أبشع الجرائم الوحشية ضد الإنسانية، نتيجة انقضاض الإرهاب عليها، واستشهاد مئات الآلاف السوريين من عسكريين ومدنيين ،مخلفين وراءهم ثكالى وأيتاماً وأطفالاً.
الشهادة من أنبل ما يقدم عليه الإنسان، وفعل لا يضاهيه بالسمو فعل، فالشهيد استرخص الحياة، واستعذب الموت من أجل قيمة أعظم، وهدف أنبل دفاعاً عن كرامة الوطن وعزته، وعن المبادئ الإنسانية.
وكان على الدولة أن تبادل ذوي الشهيد العناية والاهتمام والتكريم، لتساهم في استمرار حياتهم بكرامة وعزة .
وتقديراً لتضحياتهم، صدر العديد من المراسيم والقوانين المنصفة لذويهم، ولتخفيف معاناتهم بسبب استشهادهم، وهدفت إلى معالجة أوضاعهم ماديا ومعنويا بما يتناسب مع حجم التضحيات التي قدمها الشهداء ..
فقد أزاح المشرّع عن كاهله هذا الحمل بإصدار قوانين تنطلق من إحقاق الحق واحتياجات الواقع ومتطلباته، ليكون القانون منصفاً ومعيناً لاستمرار حياة ذوي الشهداء .
فقد صدر القانون رقم 43 لعام1980 الذي خص أسرة الشهيد بمعاش تقاعدي بالدرجة الأعلى من الراتب لكل من يستشهد بيد عصابة الإخوان المسلمين اغتيالاً أو مواجهة أو بسببها، ونصّ المشرع على منح دار سكن مجاني لأسرة الشهيد، واستعيض عنه فيما بعد بمبلغ نقدي يعادل كلفة الدار المستحقة .
ومنح المشرع أبناء الشهداء استثناء من شروط القبول في الجامعات السورية، وكذلك منحهم الأولوية في السكن الجامعي، وتخصيصهم بنسبة لا تتجاوز 10% من عدد البعثات الدراسية التي تحدد في إعلان البعثات العلمية. وكذلك قبولهم في مدارس أبناء الشهداء، ورعايتهم حتى إتمام المرحلة الثانوية.
وأيضاً منح المشرع فرصة عمل واحدة لأسرة الشهيد، وصدر المرسوم التشريعي القاضي بمنح بطاقة شرف لوالدي الشهيد وزوجته وأبنائه التي تخولهم التداوي المجاني واستخدام وسائل النقل العامة والمشترك بحسم 50% من بطاقة السفر، ومنحهم مساعدات مالية مقدارها 4000 ليرة سورية . وكذلك المرسوم القاضي بحجز 50% من الشواغر المراد ملؤها بموجب مسابقات واختبارات لذوي الشهداء .
ولما كان الدستور الحالي قد توج هذه التشريعات بنص المادة 21 التي نصت على: (الشهادة في سبيل الوطن قيمة عليا وتكفل الدولة ذوي الشهداء وفقاً للقانون). ولما كانت القوانين السابقة قد أُفرزت لمرحلة معينة تعد الآن بطيئة وغير منسجمة مع حجم الضرر الذي يعاني منه ضحايا الإرهاب، فكان لابد من آلية لشمول جميع المتضررين السوريين، وهذا ما استوجب من أصحاب القرار سن تشريعات تنسجم مع الوضع الاقتصادي الضاغط.
نتيجة لذلك تشكلت مؤسسة خاصة غير حكومية )مؤسسة الشهيد) تعنى بذوي الشهداء في ظروف معقدة وصعبة، وقد ساهمت في تقديم العديد من الخدمات على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والصحية والإنسانية، من خلال مشاريع تنموية مولدة للدخل (مجمع طبي – رعاية تعليمية -مشروعات إنتاجية تنموية) وفقاً لمؤهلاتهم العلمية والمهنية، وترميم ما ينقصهم لإيجاد فرص تناسب إمكاناتهم وقدراتهم، وترسخ فكرة المواطن الفعال في كسب رزقه بنفسه.
وتصرف العائدات حسب الضرر والحاجة، لا على أساس الواسطات والمحسوبيات، معتمدين على الشفافية والانضباط في العمل وفق الضوابط والقوانين. ولأن الحقوق التي شرعت لذوي الشهداء مرتبطة بوزارات الدولة المختلفة، كان لابد من التنسيق معها لتذليل العقبات والتناقضات الكثيرة في ملف عائلات الشهداء التي أدت إلى استغلال حاجتهم وتأخير إنجاز معاملاتهم، أو ضمان استمرارية العمل المخصص لهم، بتفعيل الحكومة الإلكترونية لتسهيل تأمين الوظائف لهم، وتعزيز روح التعاطف والتكاتف بين هذه الفعاليات والحكومة من خلال برامج عمل متكاملة مشتركة، تحقق بناء الدولة وعدم الإضرار بها، وترسخ القيم الخلاقة في المجتمع، وإرساء دولة الحق والقانون والمؤسسات.
لشهداء الوطن الرحمة والخلود.