متى يصبح الفرد مواطناً حقيقياً..؟
الوطن يحوي معاني رمزية وروحية وحضارية تتعلق بالشعور المشترك بين أفراد المجتمع الواحد، والهوية الوطنية تتعلق بمنظومة الحقوق والواجبات التي يتساوى فيها الناس بغض النظر عن انتماءاتهم القبلية أو المذهبية.
والمواطنة كغيرها من المفاهيم، مرّت بمراحل من النمو والتطور على مرّ العصور في العالم. فقد سادت أوربا إمبراطوريات جامعة لعدة أعراق وقوميات، كان الرابط الديني هو الجامع بينها، وقد تفككت هذه الإمبراطوريات خلال التاريخ وتشكّلت على أنقاضها دول قومية بحثت فيما بعد عن مصادر بديلة للشرعية تبلورت في إقامة دول قومية علمانية ديمقراطية، يتمتع سكانها على اختلاف انتماءاتهم وأعراقهم بحقوق متساوية باعتبارهم مواطنين يعيشون على أرض الدولة.
دائرة المعارف البريطانية تُعرّف المواطنة بأنها (علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة بما تتضمنه من واجبات وحقوق..).
وهذا يتطلب بعضاً من الحرية مع ما يرافقها من مسؤوليات، لأن المواطنة تعطي المواطن حقوقاً سياسية مثل حق الانتخاب وتولي المناصب العامة، مثلما تتطلب منه بعض الواجبات مثل دفع الضرائب والدفاع عن الوطن.
في المجتمعات العربية والتي كانت منضوية تحت الاحتلال العثماني مدة أربعة قرون، لم يكن هناك مفهوم واضح للمواطنة، وجاء بعد ذلك الاحتلال الأوربي ليعمل على تقسيم تركة العثمانيين إلى دويلات تخدم مصالحه وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو. لذا فإن مفهوم الوطن في منطقتنا لم يتشكّل نتيجة تفاعل عناصر ثقافية وسياسية واجتماعية كما حدث في الغرب، بل جاء بفعل معاهدات ومقايضات سياسية فرضتها الدول الكبرى بعد الحرب العالمية الأولى.
من هنا نجد أن هذا المفهوم بقدر ما يحمل مضامين إنسانية وحقوقية تعمل على تجذّر الإنسان في أرضه، نجده مفهوماً يكتنفه الغموض سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الدولة وفقاً لتعريفه العلمي، لأن تعامل الحكومات في تلك البلدان قائم على أساس الحاكم والرعية، وهذا ما يُبقي الإنسان خارج مفهوم المواطنة الحقيقية.