العلمانية والعلم
يعد مصطلح العلمانية من أهم المصطلحات في الخطاب التحليلي الاجتماعي والسياسي، لكنه لا يزال مصطلحاً غير محدد المعاني والأبعاد لدى الغالبية.
فكلمة (العلمانية) هي مشتقة من كلمة لاتينية (سيكولاريزم) وتعني العالم أو الدنيا، فقد استخدم هذا المصطلح لأول مرة مع توقيع صلح عام 1648م الذي أنهى الحرب الدينية المندلعة في أوربا في ذلك الحين، فكان الغرض من هذا المصطلح عند ظهوره محاربة التصوف الديني (الزهد عن الدنيا وحب الآخرة) الذي فرضته سلطات الكنيسة الكاثوليكية على الشعوب الأوربية إبان حكمها في عصر الظلمات أو ما يُسمى العصور الوسطى.
ففي عالمنا المعاصر يستخدم هذا المصطلح للدعوة إلى فصل الدين عن الدولة، وكذلك تحرير العلم عن بقايا سلطة الدين. يعني هذا الكلام أن كل الشروح والبراهين التي يقدمها العلم لا تتعلق بشيء آخر غير قوانين العلم المادي. ففي القيام بتجهيز تجربة ما من وجهة نظر العلماني يفترض عدم وجود إله أو ملك أو شيطان يتدخل في مسار هذه التجربة. ولكن جميعنا شهدنا أن أغلبية التجارب التي قاموا بها تؤكد وجود الله.
فللعلم قدسية كبيرة تُفرض في العلمانية كالسلطة التي يرجع إليها. فالعلمانية تدعو دائماً إلى سيادة العلم وإعلاء شأنه في كل المجالات الحياتية. ففي ذلك دعوة لعدم إدخال الفرد دينه ومذهبه في أمور العلم تجنباً للانحياز والعنصرية، فقد نشهد حالات كثيرة في مجتمعنا ممن يحملون شهادات علمية عليا في مختلف المجالات ولكنهم في الواقع يعيشون حالة فصام حقيقية بين مادرسوه وتعلموه من جهة، والواقع والعادات والتقاليد من جهة ثنية، فبعضهم في المجالس الثقافية والفكرية يدّعون التحرر الفكري واحترام الآخر وتقبل الدين والمعتقدات للآخر، لكن عند أصغر موقف يواجهه على أرض الواقع يتبرأ من شهادته وثقافته ويبدو كأنه شخص آخر سيطرت عليه عنصريته والعادات التي وجد عليها آباءه.
تلك الأفكار التي لا يستطيع حتى إيجاد تبرير منطقي وواقعي لها حتى معه نفسه. فالعلم والأخلاق هي التي تبني أمماً وشعوباً وحضارات، وهي التي تنهض بنا باتجاه التطور الحضاري والانفتاح الفكري.