المبادرات الشبابية ودورها في ظل الأزمة السورية

 أصبح العمل الشبابي، على أساس تخصصي، واحداً من الاتجاهات الرئيسية التي بدأت تشق طريقها في غالبية البلدان والمجتمعات، والتي تستهدف صقل الشخصية الشبابية وإكسابها المهارات والخبرات العلمية والعملية. لكن ما يجب الإشارة إليه هو أن هوة واسعة كانت وما زالت قائمة بين الشباب في البلدان المتقدمة، والشباب في البلدان الفقيرة والنامية، لأسباب تتعلق بالقدرات المالية وعدم توفر الخطط والبرامج الكافية للتأهيل والتنشئة والتربية، إضافة إلى أسباب أخرى داخلية تتعلق بالموروث العقائدي والاجتماعي، وطبيعة القيم والعادات والتقاليد، وتركيبة العائلة والمجتمع ومستوى الانفتاح الاجتماعي.

وفي العقدين الأخيرين، بعد التطورات العلمية والتقنية الهائلة، وثورة الاتصالات والانترنت والفضائيات، ودخول العالم في مرحلة العولمة، تفاقمت أزمات الشباب في البلدان الفقيرة أكثر فأكثر، فقد باتوا يعانون من أزمة مزدوجة، أزمة متولدة عن الأزمات المتوارثة، وأخرى ناتجة عن التأثيرات القادمة عبر الإنترنت والفضائيات، التي تعكس ثقافة مجتمعات أخرى غريبة ومفاهيمها، وتتحدث عن رفاهية يراها شباب البلدان الفقيرة خيالية، ما يهدد الشباب في هذه البلدان بأزمات جديدة بسبب هذا المد العولمي.

 هناك مثل فارسي قديم يقول: إن حجراً يرمى في أوانه خير من ذهب يغدق في غير أوانه. وفي ظل الظروف الراهنة ومع اقتراب الأزمة السورية من إكمال عامها الخامس، وتفاقم الأوضاع العصيبة التي تشهدها سورية، والتي دفع ثمنها الأكبر المدنيون، وترافقت بنزوح كبير للأهالي وتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية لهم، كان لا بد من ابتكار أساليب جديدة تساعدهم. وقد ساهمت الأزمة بإيجاد بيئة لإبداع الشباب السوري لتخطّيها بشكل أفضل.

لذلك قامت مجموعات من الشباب السوري بإطلاق عدد من المبادرات الميدانية غير الهادفة للربح، لتقديم الدعم والعون لعموم المجتمع السوري، لاسيما للفئات المتضررة بشكل مباشر، وذلك في إطار العمل الإنساني والمجتمعي بعيداً عن السياسة.

فكما يقول روبرت تشامبرز: (التعرض للمخاطر لا يعني الفقر، ولا يعني النقص، ولا العوز، بل يعني الشعور بالعجز أمام المخاطر والصدمات، والشعور بعدم الأمان والإجهاد).

فقد لحظنا خاصة في السنتين الأخيرتين انطلاق عدد كبير من المبادرات الشبابية، بعضها يستهدف جمع تبرعات عينية وتوزيعها للعوائل الفقيرة من ملابس وغيرها، وتوزيع وجبات وسلال غذائية شهرياً لمن هم بحاجة، كما انطلقت بعض المبادرات في مجال التنمية والتوعية الشبابية وتوظيف طاقات الشباب في مجالات علمية وخدمية بعيداً عن السياسة، فظهرت قدرات شبابية ضخمة، وقد لمع اسمها في مجالات كثيرة كالكتابة والرسم والغناء والتصوير، مما حثّ غالبية الشباب على سلوك هذا الطريق من منطلق أن لكل منا موهبة ربما يعرفها ولكن لم تسمح له ظروفه بتطويرها، ومنهم من كان يعلمها لكنه يخاف نظرة من حوله له على أنها تفاهات!

مبادرة (ارتقاء) تهدف للارتقاء بالشباب والسعي لتنمية المجتمع، وذلك من خلال تطوير أفكارهم وتنمية مهاراتهم عبر معرفة النشاطات التي تشغلهم، وإقامة أنشطة تخدم هذا الموضوع، وجمعهم مع مختصين لتحسين أدائهم وتطوير قدراتهم.

من هنا نجد أن المبادرات الشبابية أحد أهم الروافد التي تسعى للنهوض بالفرد والمجتمع سواء بالسلم أو الحرب، وقد أثبت الشباب السوري مقدرة فريدة ومتميّزة في هذا المجال.

العدد 1140 - 22/01/2025