إجهاض عملية التطور الديمقراطي واستمرار الأزمة السورية
هناك خطأ ما في الأزمة السورية منذ بداياتها، خطأ لم ينتبه له أحد، ولكه كان على درجة عالية من الخطورة بحيث أنه حدد مسارات تطور هذه الأزمة الدراماتيكية، وبسببه دفع الشعب السوري ثمناً غالياً، فما هو هذا الخطأ؟
لقد ظهر، منذ بداية الأحداث، وازداد تبلوراً مع تطورها ما بدا جلياً بالنسبة للمواطن السوري العادي أن جوهر الصراع الذي ظهر على سطح الأحداث هو صراع على السلطة، هكذا أريد أن تسير الأمور منذ بداياتها، وبالتالي كانت عوامل إجهاض عملية الحراك الشعبي الذي جرى منذ البداية، وتحجيمه وتحويله بشكل مبتذل إلى صراع من أجل السلطة، وهذا الأمر بالنسبة للمواطن العادي لا يهمه بشيء، لم تطرح بدائل حقيقة للواقع الذي كان سائداً إن ما كان يهم الشعب في ذلك الوقت، هو ليس السلطة بمقدار ما كان يهمه إحداث انعطاف عميق للحياة السياسية في البلاد باتجاه تحقيق تشاركية واسعة فيما يتعلق بإدارة الأمور في البلاد، فمن الذي أعاق هذه العملية؟
في هذا السياق لابد من الإشارة إلى ثلاثة عوائق أساسية مارست تأثيرها في إجهاض عملية التطور الديمقراطي في البلاد!
– العائق الأول: وهو عائق اجتماعي إذ لم يكن المجتمع السوري حسب رأيي مهيأ كاملاً لمثل هذا التحول، وبالتالي لم تكن القوى السياسية الفاعلة تملك الرؤيا الواضحة لمثل هذا التغير بسبب عدم نضجها، فهي تعكس بهذا الشكل أو ذاك، مستوى النضج المجتمعي.
– العائق الثاني: وهو يمتّ بصلة إلى العائق الأول.. إن الحراك الشعبي كان له طابع فوضوي، وكانت التأثيرات الغرائزية والثأرية عميقة بحيث أنها طغت على الواقعية ولم تستطع القوى المنظمة في هذا الحراك أن تدرس الواقع السوري دراسة حقيقية وتصوغ شعاراتها بالاستناد إلى ذلك، كما أنها لم تكن مهيأة لأية عملية حوار، فطروحاتها كانت قطعية لا تقبل الجدل، وهذا ما وضعها في موضع لا يختلف كثيراً عن الجهة المقابلة لها.
وهذا الأمر أفقدها، مع الزمن، الكثير من المصداقية.. حتى يمكن القول إنها بسياستها المراهقة هذه أخذت تبتعد عن مشاكل الشعب وهمومه، وتتوقع ضمن إطارات ضيقة بعيدة كل البعد عن واقع الشعب وعن تفكيره.
– العائق الثالث: وهو القوى الخارجية والإقليمية التي لم تكن ترغب، منذ البداية، على أن يجري في سورية إصلاح ديمقراطي عميق.. وكانت ترغب باستغلال هذا الاحتجاج الشعبي الواسع لجعله يصب في مصلحتها.
لقد استثمرت هذه القوى، الخارجية والإقليمية، الشرائح المجتمعية الأكثر تخلفاً، ودفعتها باتجاه طرح شعارات يمكن أن تعيد سورية، فيما لو تحققت، مئات السنين إلى الوراء، كالشعارات التكفيرية العرقية والطائفية والمذهبية.. التي تتناقض جذرياً مع أي فكر ديمقراطي.
كذلك استثمرت هذه القوى، الخارجية والإقليمية، عدم الاستعداد الكامل عند السلطة لإحداث تشاركية واسعة في البلاد تعزز التطور الديمقراطي فيها، وتقوي التماسك المجتمعي الداخلي، وقد صرفت هذه القوى مليارات الدولارات لتحقيق هذا النهج.. وكانت النتيجة أن البلاد، وعوضاً أن تسير بخطا واضحة نحو الدمقرطة، سارت نحو الحرب الأهلية وتخريب الاقتصاد والبنى التحتية، وأدى هذا إلى غياب معظم الشعارات الإيجابية التي طرحت في بداية الأزمة مثل: الشعب السوري واحد.. والتشاركية.. وغيرها، وحل محلها انقسام مشوه قائم على أساس مذهبي طائفي عرقي بغيض.
إن المهمة الكبرى المطروحة الآن أمام كل من تعز عليه قيم الحرية والديمقراطية والوطنية، العمل من أجل إيقاف سفك الدم السوري، ومن أجل إعادة اللحمة المجتمعية في سورية، ومن أجل بناء سورية تعددية تشاركية تضع أسساً للتطور اللاحق، والنضال ضد كل ما يفرّق الشعب السوري من أية جهة كانت، الطائفية منها والمذهبية والعرقية.. وغير ذلك.
تلك هي المهام المرحلية التي يجب على الشعب السوري أن يحققها.. يجب أن نخرج، كسوريين مجتمعين، من لعبة الأمم.. ونعيد صياغة سورية من جديد على أسس صلبة جوهرها المواطنة واحترام القوانين، والتشاركية وعدم التمييز.