لبنانيون وسوريات…. مكافأة مخزية

ليس سبقاً صحفياً، ولا أعتقد أن أحداً ما يُسعد بأن يحظى بسبق صحفي كهذا، لا بل على العكس، إنما علينا أن نشعر بالعار والخزي والخجل من أنفسنا، إلى ما آلت إليه حال السوريات داخل بلادهن وخارجها…هذه المرأة التي تناضل كل يومٍ وعلى الصعد كافة، لاسيما في ظل غياب الزوج والابن والأب، وقد أثبتت جدارتها على مرّ الزمان في تحمل مسؤولياتها التي تُلقى على عاتقها، وقدرتها على تحمل الظروف بكل أشكالها والتكيف معها، وكل ذلك من أجل أبنائها وعائلتها ووطنها.

إن ما كُشف عنه مطلع نيسان الماضي من انتهاكٍ لحرمة السوريات في الأراضي اللبنانية، تحت ذرائع وحجج واهية، يندى له الجبين، وتقشعر له الأبدان… فقد اضطرت تلك السوريات مرغمات على ترك بلادهن في ظل الحرب الدائرة والمستمرة، من أجل الحصول على مكانٍ آمنٍ لهن ولأطفالهن وعوائلهن، ومن ثم على عملٍ يقيهن العوز والحاجة، فماذا كانت النتيجة؟

النتيجة تتلخص بأن هؤلاء الفتيات أمسين يتمنين لو أنهن متن في بلادهن بسبب القصف والدمار، ولم يحدث لهن ما حدث، فبذريعة تأمين العمل الذي يقيهن التسول، كان ما كان، وتبيّن فيما بعد أن هذا العمل لم يكن إلاّ ستاراً يخفي من خلفه أبشع الجرائم بحق الإنسانية!

هؤلاء الفتيات، اللواتي ربما كانت أمهاتهن من فتحن بيوتهن للبنانيين في عام 2006 أيام حرب تموز، لا بل ربما كنّ من قدمن لهم الطعام والمسكن والرعاية، أو تطوعن مع منظمات مثل الهلال الأحمر لتأمين كل ما يمكن أن يزيل عن اللبنانيين همومهم ومآسيهم، ولربما كان آباؤهن من دفعتهم الحمية للدفاع عن بيروت في عام 1982 حينما اجتاحتها إسرائيل، فقدموا أرواحهم فداءً للأرض اللبنانية ورووها بدمائهم الزكية لأجل حرية لبنان واللبنانيين!

بينما يأتي تعامل بعض اللبنانيين الفظ والمهين معهن حينما دارت الأيام وأرخت بحملها الثقيل والمنهك عليهن، بأن استعرت النفوس لاهثةً وراء الطمع بالمال، والغريزة التي لا تسمية لها، ذلك أن الحيوان لا يمكنه القيام بمثل تلك التصرفات، ففي كتاب حيونة الإنسان للراحل ممدوح عدوان يبيّن لنا أن الحيوان حينما يقف أمامه حيوانٌ آخر مظهراً ضعفه يتركه وشأنه، بينما ما يبديه بنو البشر تجاه بعضهم كل يومٍ لم يعد في اللغة ما يتسع لوصفه….

أين نحن من اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 آب من عام 1949؟ والتي جاء فيها:

المادة 3 الفقرة ج:

لا يجوز الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة للأشخاص المحميين.

والمادة 31:

تحظر ممارسة أي إكراه بدني أو معنوي إزاء الأشخاص المحميين.

وهل سيأتي اليوم الذي تستطيع فيه تلك الضحايا تجريم المتهمين والدفاع عن أنفسهن والمطالبة بحقوقهن التي كفلتها لهن المادة 8 من الاتفاقية المذكورة والتي تنص على أنه:

لا يجوز للأشخاص المحميين التنازل في أي حال من الأحوال جزئياً أو كلياً عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الاتفاقية، أو بمقتضى الاتفاقات الخاصة المشار إليها في المادة السابقة..

العدد 1140 - 22/01/2025