الصناعة السورية في قاع الهاوية وجوائز ترضية للصناعيين
تعرضت الصناعة الوطنية، لأقسى أنواع الممارسات الخاطئة، باتجاهين، الأول قادته الحكومات المتعاقبة، عبر القرارات والإجراءات المتتالية، التي أدت فيما أدت إليه، إلى وضع العصي أمام تطور هذه الصناعة، ولم يكن المؤتمران الصناعيان: الأول بشعار (قلمك أخضر)، والثاني تحت شعار (الصناعة السورية – الفرص والتحديات)، سوى كشف حساب للمشكلات المتراكمة للقطاع الصناعي الخاص، وفضح للمستور حول العقبات الهائلة التي تواجه قاطرة التنمية.
أما الاتجاه الثاني، فقام به الصناعيون أنفسهم، من حيث يدرون أو لا يدرون، إذ إنهم راوحوا في مكانهم، وتوقفوا عن تطوير صناعاتهم وشركاتهم، واستمرؤوا حالة الحماية، وحققوا أرباحاً من إغلاق الأبواب أمام المستوردات المماثلة، فتحولت صناعتهم إلى ما سمي صناعة الأمر الواقع، وتناسب ذوي الدخل المحدود والفقراء الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من المجتمع السوري. عاشت صناعتنا في قفص الاتهام، واهتزت الثقة بمنتجنا المحلي، وترسخت مقولة (الفرنجي برنجي) في تواطؤ مثير للتساؤل، جعل من منتجنا المحلي غير مرغوب فيه، ولايمكن الثقة بجودته.
هذان الاتجاهان قادا صناعتنا لعقود طويلة، وحطما الأرقام القياسية في تراجع هذا القطاع الحيوي، وجعلا من قاطرة التنمية، قاطرة معطلة ومهملة، وتوفرت كل الظروف الموضوعية لإحالتها إلى التقاعد المبكر.
هذا المشهد التوصيفي للقطاع الصناعي، لا يختلف كثيراً عما يجري منذ اندلاع الأزمة في سورية، إذ حظيت الصناعة بنصيب وافر من الاستهداف، كما نال بعض الصناعيين نصيبهم من عبارات التخوين، مقابل آخرين حظوا بأوسمة وزعها من يقف على طرفي النزاع في سورية. وفي هذا السياق، لم تكن حالة الهروب الجماعي لعدد كبير من الصناعيين، مفاجئة، فتزايد العنف المتبادل، وتعذُّر الوصول إلى المنشآت الصناعية، كانت المقدمات الأولية لهروب الصناعيين الذين وجدوا منشآتهم بلا حماية على الإطلاق. مقابل ذلك، وُجهت التهم لعدد كبير من الصناعيين على موقفهم هذا، ونعتوا بأوصاف لا تليق بصناعي، في الوقت الذي لم تتمكن فيه جهة حكومية ما من تأمين الحماية للمنشآت. وقبل سنوات كنا نقول إن مستثمراً ما لن يستطيع شحن مشروعه بطائرته الخاصة، في إشارة إلى أهمية تأسيس مشروعات إنتاجية صناعية وزراعية، بغض النظر عن جنسية المستثمرين، لكننا في هذه الأزمة شاهدنا كيف نُقلت الآلات الصناعية إلى خارج البلاد نظامياً أو بطريقة السرقة والنهب. وفي نهاية المطاف كان الخاسر هو اقتصادنا الوطني، والمتضرر الكبير عمالتنا التي وجدت نفسها على قارعة الطريق بلا حماية اجتماعية، وبلا عمل يقيها الفقر والعوز. السؤال: من خرج بهذه الظروف القاسية والمريرة، هل سيعود قريباً؟ ثمة حديث عن جوائز ترضية إن صح التعبير فهناك إشارات واضحة يمكن الاستناد إليها، عن طرائق التحالفات التي بنتها الحكومة مع رجال أعمال بعينهم، وأغدقت عليهم العطاءات والاتفاقات والمناقصات، وتجري الآن محاولات إعادة إحياء هذه التحالفات. وهناك من يصنف طبقة رجال الأعمال، على طريقة معنا أم ضدنا، تصنيفات لا تستند إلى وقائع، فليس كل من خرج من البلاد متهم، وليس بالضرورة كل من بقي فيها يحمل بطاقة خضراء، وفيزا عبور، للمرحلة الانتقالية المرتقبة.
حالة المحاصصة التي كانت راسخة سابقاً، لا يمكن أن تكون إحدى أدوات المرحلة القادمة، لأن فشلها الذريع كاف لتجاوزها، وحصيلة سني الأزمة اقتصادياً، بتقديراتها المالية الهائلة، لا تعادل الدم المسفوك مجاناً، والذي لابد من وقفه أولاً قبل توزيع الشهادات والمكافآت، وما نشر حول تهرب رجال الأعمال من تسديد القروض لبعض المصارف الخاصة، أشبه بكذبة نيسان خاصة أن عدداً من الذين وردت أسماؤهم والمصارف نفوا ذلك أيضاً في آن، ما يعكس حالة التخبط التي يقودها البعض لتشويه الصورة. صناعتنا الوطنية، كانت دائما تحت القصف التمهيدي، ولم تسعفها أي مرحلة سابقة لتكون فعلاً قاطرة حقيقية للتنمية، بل ظلت دائماً، متهمة، وصناعيونا الذين لم يتحولوا إلى تجار، مشوا على حد السيف، وتمسكوا بصناعتهم التي عاشت سنوات طويلة على شفير الهاوية، لتجد نفسها فعلاً في قاع الهاوية.