هزائمنا توقعنا في شباك الوهم
حين نغوص في بحار من الهزائم والخيبات، نلوذ بشباك الوهم والاحتمالات المخادعة، علّها تمنحنا بعض أمل ولو كان واهياً..
وحين نعيش في زمن طغت فيه القيم المادية- الاستهلاكية على كل ما عادها من قيم إنسانية وأخلاقية، تُصبح الحقيقة ضرباً من الجنون نبتعد عنها كما ابتعادنا عن معصية أو خطيئة.. وهنا لا يكون للإنسان من قيمة إلاّ بقدر استلابه وانقياده لواقع يأخذه بعيداً عن تلك الحقيقة الموجعة.
ولا شكّ أن الإنسان المعاصر بات مُحاصراً بكثير من الأزمات والحروب والمفاهيم التي تُضيّق عنده مساحة الوعي والإدراك، فينقاد طائعاً وبلا أدنى مقاومة إلى مختلف البرامج التي تبثها القنوات الفضائية التي تكاثرت كما الفطر في العقود الأخيرة، والتي تُعزز استلاب الإنسان وفقره الروحي والفكري، فيغدو نبعاً ورافداً لرأسمال هدفه التراكم ولو على حساب خداع ملايين البشر في أرجاء المعمورة وجوعهم وحياتهم.
وهنا في سورية، وبفعل الأزمات المتتالية التي لاحقت المواطن منذ عقود، فتركته عارياً وخاوياً إلاّ من فقره وعوزه وفقدانه لكرامته وفكره الذي اعتد به زمناً، فقد لجأ إلى أسهل الطرق متعلّقاً بحبال الوهم علّها تنقذه مما هو فيه، خاصة في ظل حرب ما زالت مشتعلة منذ أكثر من سنوات ست، التهمت أجيالاً كاملة من شباب كانوا يغذّون السير باتجاه مستقبل رسموا معالمه على قدر عزائمهم وأحلامهم، فباتوا اليوم وقوداً مجانياً لتلك الحرب والخيبات التي تركتهم هباءً منثوراً، فلاذوا بوهم الأبراج والمسابقات الخلبية التي تطرحها شركات الخليوي عبر جوائز مغرية تدغدغ آمالهم وأحلامهم المهزومة أمام طغيان الحرب والبطالة وهشيم الواقع المؤلم والمرير.
فالمجتمعات التي يلوذ شبابها بكل هذا الوهم، ويتسيّد فيها رأس مال قائم على تغذية هذا الوهم، هي مجتمعات آيلة إلى التلاشي أو الانحطاط بكل اتجاهاته التي تغتال إنسانية الإنسان وكرامته وعقله، وما لم يتم التصدي لكل هذا، عبر تعزيز دور العلم والثقافة والنهج العلماني الذي ينتشل الأجيال من قاع الجمود والسلفية إلى نور العقل والعلم، لا يمكن لنا أن ننهض من حضيض جهلنا وتخلفنا.