جمعية العلوم الاقتصادية تدعو لإحداث مجلس تنمية صناعية

اللحام: الاستفادة من الأزمة لإعادة هيكلة الصناعة السورية وتوطينها

(تواجه الصناعة السورية اليوم أزمة مركبة نتيجة تراكم عوامل ثلاثة: نقاط الضعف والسمات العامة المعروفة عن واقع هذه الصناعة، والنتائج السلبية  لتحرير التبادل التجاري ومحدودية نتائج الخطة الخمسية العاشرة، إضافة إلى آثار الأزمة الراهنة ومنعكساتها)، بحسب ما أفاد به الباحث الاقتصادي فؤاد اللحام، يوم الثلاثاء 13 أيار 2014 خلال ندوة لجمعية العلوم الاقتصادية بعنوان (الصناعة السورية في ظل الأزمة: الواقع والمطلوب)، نوقشت فيها ظروف الصناعة الحالية وما تعانيه من مشاكل في ظل الأزمة وتقديم مقترحات لتجاوزها وإعادة الصناعة إلى مكانتها في الاقتصاد السوري قاطرة للتنمية.

وأكد اللحام في ورقة العمل التي قدمها أن الأزمة المركبة وضعت الصناعة السورية في وضع صعب للغاية بات يهدد وجودها ومستقبلها ما يتطلب اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمعالجة آثار هذه الأزمة ونتائجها بمجملها وبشكل شامل ومتكامل، والاستفادة منها كفرصة متاحة لإعادة هيكلة الصناعة السورية وتوطينها وتحديثها وتمكينها من القيام بدورها قاطرة رئيسية للتقدم والنمو والتشغيل، وبشكل خاص في مرحلة إعادة البناء، وهذا يتطلب -قبل أي شيء آخر- فهم الأسباب التي أدت إلى وصول الصناعة إلى هذه الأوضاع الصعبة وتحليلها والوقوف على نتائجها بموضوعية وشفافية، ليصار إلى اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمعالجة هذه الأوضاع بشكل فوري وعلى المدى القصير والمتوسط بشكل يراعى فيه تحديد الأولويات الملحة وبما يساهم في اختصار الوقت والجهد والكلفة لتنفيذها.

وأشار عضو جمعية العلوم الاقتصادية في ورقته إلى المزايا ونقاط القوة العديدة التي تتمتع بها الصناعة السورية، وفي مقدمتها الموقع الجغرافي والعراقة الصناعية وتوفر حلقات الانتاج كافة في العديد من الصناعات كالصناعات النسيجية والغذائية، إضافة إلى وفرة اليد العاملة ورخصها، ولفت إلى نقاط ضعفها قبل الأزمة والتي تمثلت بـ: ضعف البنية الهيكلية، واعتماد نظام حماية للإنتاج الوطني (عام وخاص) تجاه المنتجات الأجنبية من ناحية، وحصر مطلق لعدد من المنتجات الصناعية الوطنية بالقطاع العام، دون تحديد فترة زمنية لهذه الحماية أو ربطها بصناعات مستقبلية محددة، مع وجود خلل هيكلي في بنية التجارة الخارجية حيث تنحصر معظم الصادرات السورية بالمواد الأولية ونصف المصنعة.

 وقسم اللحام ورقته البحثية إلى ثلاثة محاور: واقع الصناعة السورية قبل الأزمة، وأثر الأزمة على الصناعة السورية، الاجراءات والتدابير اللازمة لإعادة تأهيل الصناعة السورية وتنشيطها، وتناول أثر السياسات في كل مرحلة وانعكاسها على الصناعة السورية، فقد أدت إلى تراجع الاهتمام بالصناعة وانتقال العديد من الصناعيين إلى التجارة واستيراد المنتجات المشابهة لما ينتجونه من الصين وغيرها مما انعكس على عدد المشاريع الصناعية المنفذة.

أما أبرز منعكسات الأزمة على الصناعة فتمثلت بخروج منشآت صناعية من الإنتاج وتسريح أعداد كبيرة من العمال، وتجزئة أعداد كبيرة من المنشآت الصناعية ونقلها إلى المناطق والأحياء الآمنة داخل سورية أو خارجها، ونزوح عدد كبير من الصناعيين والعمال والخبراء إلى الخارج، وتوقف الإنفاق الاستثماري في شركات القطاع العام الصناعي وكذلك تمويل القطاع الخاص، مترافقاً مع صعوبة تحصيل ديون الشركات الصناعية من الزبائن وتسديد التزاماتها للموردين، وخسارة الأسواق المحلية والخارجية.

وأشار اللحام إلى أن أعمال العنف لعبت دوراً كبيراً في وجود هذه المشاكل وتفاقمها، إلا أنه لا يمكن إغفال دور الأسباب الأخرى التي ساهمت في تردي الصناعة السورية، وفي مقدمتها ضعف الإجراءات والتدابير الأمنية المتخذة من أجل حماية  المدن والمناطق والمنشآت الصناعية العامة والخاصة، وبطء الإجراءات المتخذة لمعالجة آثار الأزمة ونتائجها المتوقعة بشكل مبكر وضعفها، واعتماد أسلوب إطفاء الحرائق يوماً بيوم، بعيداً عن اتخاذ الاجراءات والتدابير الضرورية لمواجهة الاحتمالات السلبية المتوقعة مسبقاً وتحضير البدائل اللازمة.

وفيما يتعلق بعملية إعادة التأهيل وتحديث الصناعة في سورية، أشار الباحث الاقتصادي فؤاد اللحام إلى ضرورة العمل على ثلاثة مستويات: مستوى السياسات الكلية، والمستوى المتوسط (الجهات الداعمة)، المستوى الجزئي (الشركات)، وذلك لإنجاز الآتي: المحافظة قدر المستطاع على وجود واستمرارية العمل في المنشآت الصناعية التي ما تزال قائمة، والمعالجة السريعة والفعالة لما تواجهه من مشاكل، وذلك في إطار العمل على تخفيف نتائج وكلفة إعادة التأهيل بعد الأزمة قدر الإمكان، وأن يكون مترافقاً مع التحضير المسبق والمدروس لمعالجة نتائج الأزمة ومنعكساتها على القطاع الصناعي للبدء بتنفيذه فور زوال الأزمة، وأكد ضرورة أن تتضمن الاجراءات معالجة الآثار والنتائج السلبية التي لحقت بالصناعة السورية خلال الفترة السابقة للأزمة نتيجة السياسات المتسرعة في تحرير التبادل التجاري، بحيث تكون معالجة آثار الأزمة على الصناعة السورية فرصة لإعادة هيكلة هذه الصناعة بشقيها العام والخاص وتحديثها وتطويرها ورفع قدرتها التنافسية  بشكل أفضل مما كان.

ودعا اللحام إلى إحداث مجلس تنمية صناعية، والانتقال إلى دور جديد تنموي ولا مركزي لوزارة الصناعة يحوّلها إلى وزارة سياسات صناعية، وتحديث الدراسات الكلية والقطاعية، مع الإسراع في إحداث  المؤسسات الداعمة للقطاع الصناعي.

القلاع: إحصاء الأضرار وجدولة القروض

وأشار نائب رئيس جمعية العلوم الاقتصادية غسان القلاع إلى أهمية الصناعة في الاقتصاد السوري مشيراً إلى أن المنتجات السورية تباع في كل عواصم العالم، وإلى أنه لم يتمكن أحد من حماية الصناعيين السوريين، وأكد ضرورة إحصاء دقيق لحجم الأضرار والخسائر التي تعرّضت لها المنشآت الصناعية، وجدولة القروض على الرغم من صدور مرسوم متضمن التعليمات التنفيذية إلا أنها لم تنفذ بعد نتيجة قيام مجلس إدارة كل مصرف بإصدار تعليمات خاصة به ولغاية الآن لم يتقدم إلا 11 طلباً. وشدد على ضرورة تنسيق سياسات الجهات العامة والوزارات ذات العلاقة والقطاع الصناعي كافة.

الغرير: مساهمة القطاع الخاص في حل مشاكله

وأكد الباحث الاقتصادي د.موسى الغرير ضرورة وجود خطة إسعافية تنطلق من الواقع الراهن إلى مرحلة إعادة تدوير عجلة الإنتاج، مع إعادة بناء ما تم تدميره وتخريبه تبعاً لنسب التدمير، فضلاً عن تحويل التكاليف التي تُدفع على الرواتب والأجور للعاملين الذين لا يعملون إلى تكاليف إنتاجية، أيضاً اقترح الاستفادة من العمال المسرحين في حماية منشآتهم.

أما بالنسبة للتمويل فاقترح الاستفادة من الأموال الفائضة الموجودة لدى القطاع الخاص بحيث يقدم التمويل لمن هو بحاجة أو مشاركته، بعبارة أخرى زيادة مساهمة القطاع الخاص في حل المشكلة التي يعانيها.

المنيّر: وضوح السياسات الحكومية صوب الصناعة

ولفت الباحث الاقتصادي بشار المنيّر إلى معاناة الصناعة بشقيها العام والخاص من السياسات الحكومية قبل الأزمة وأثناءها، فقد فتحت الأسواق السورية أمام المستوردات الآتية من أصقاع الأرض قبل تمكين الصناعة السورية،في الوقت الذي كان فيه الفريق الاقتصادي يمنح الصناعيين (القلم الأخضر) ! ووضع مشروع لإصلاح القطاع العام الصناعي بتكلفة 105 مليارات ليرة سورية، ولكنه كغيره وضع في الأدراج المنسية لارتفاع تكاليف الإصلاح، وشدد على ضرورة وضوح السياسات الحكومية صوب الصناعة دون مواربة، فالصناعة قاطرة التنمية وقاطرة إعادة الإعمار.

طيارة: وزارة المالية عقدة السياسات

وشدد وزير الصناعة الأسبق د.غسان طيارة على أهمية تشابك الصناعة مع الزراعة، وأشار إلى ضرورة إصدار قانون ضريبة كحسم ديناميكي الذي توقفه وزارة المالية دائماً، لافتاً أنها العقدة بسبب سياساتها الدائمة، ونبه إلى ضرورة الاهتمام بالبحث العلمي الصناعي، وبيّن أن مشكلة الصناعة كغيرها هي مشكلة إدارة وتعيين الأشخاص في المناصب.

وفيما يتعلق بالعلاقة بين القطاعين العام والخاص أكد انعدام الثقة بينهما، وشدد على ضرورة التفاعل بين القطاعين، وتساءل: من الجهة التي يفترض أن تكون مسؤولة عن المدن الصناعية: وزارة الصناعة أم الإدارة المحلية؟

الخضر: الإدارة هي القاطرة الحقيقة

وبيّن مدير المعهد العالي لإدارة الأعمال د.علي الخضر أن القاطرة الحقيقية في أي بلد هي الإدارة، التي تعد سبب النجاح أو الفشل، وقال: (بكل أسف هذه المسألة غير قائمة في سورية، ونحن نصرخ منذ زمن للانتباه إلى ذلك، ولكن دون مجيب إلا في الحدود التي تلائم الأهواء). وأشار إلى أننا نتكلم عن إعادة بناء الماديات ولا نتكلم عن إعادة بناء الإنسان الذي هو الأمر الاستراتيجي المهم.

العدد 1140 - 22/01/2025