دفتر أحوال!
نشرات الطقس العربية على وجه العموم، تستبطن الحالة النفسية للمواطنالعربي، لتصبح أكثر ميلاً إلى طمأنته وبثّ تفاؤل ما، مع أنها تلجأ أحياناً إلى صيغ تشبه تعبيرات الحرب: ارتفاع، السرعة، الشعور بهزّة أرضية على مقياس ريختر، وسوى ذلك من دلالات تتعالق بسياقات شبيهةٍ، فهل ثمة نشرات (نفسية) ماخلا وصف المنجمين، وقارئي الكف، وأصحاب الخفة التي لا تحتمل برمي النرد، أو قارئي الوجوه وتعبيراتها،؟!
ومع تغيّر الدلالات وانفتاحهافي سوق التداول المجتمعي مثل: كيف حالك؟ لا تعني هل أنت بخير، بل أين تقطن؟ وما يتواتر في نسيجها من كلمات دالة: كيف هي الكهرباء عندكم؟ وهكذا، إلى حكايات البحث عن سرفيس بصحة مازوت جيدة ومستقرة، إلى المسلسل الذي أعجبك، وتهنئة لكل عام جديد يفتح فيه (باب حارة) واكتشاف الثروة، ليست اللغوية من القاموس الدرامي العتيد، بل النسوية، ولا أقصد مصطلحها وأنساقه، مع الأخذ بعين النظر إكراهات النسق، تصبح أحوالنا مدوّنة لما ننساه نحن ويتذكره التاريخ.
يضحك (المجنون) بوصفه (العاقل) الوحيد ويشفق على غيره، ولسان حاله يقول: متى يشفون، ليتمتّعوا براحة البال وصفاء القلب، وفراغ الجيوب؟ ولا حول (للجيوب الأنفية) من أن تكون قدراً… يضحك (المجنون) وهو يتكور جانب الطريق يقرأ جريدة الصباح بصوت عال، وقهقهة لافتة، تفوه الكلمات المتقاطعة بحثاً عن الكلمة الصحيحة، وكيف لا وهو من يعيش حياة متقاطعة؟ تصبح الكلمة الصحيحة، نسبية بمعنى من المعاني، فقد صرح فيلسوف ذات فلسفة كان قلبها على الفكر والفكر قلبه على اللاشي: (الحقيقة ما قبل البرينيه خطأ ما بعدها) وعلى الأرجح أن (باسكال) لم يرد سوى تبسيط الجدل، كي لا نذهب للبعد الواحد في كل شيء، بل نمنح الحقيقة (استراحة)تأمل، في رحلتها قبل ظهر الجنون، وضراوة العشق زمن الحرب، لوقتٍ جديد، يرى الشعراء أن ثمة من يركّز فيه القلب في الجسد الحي…
الخيط الرفيع..
ما الخيط الذي يربط بين العقل والجنون، ربما أتيح (للمسرنمين) أي الذين يمشون نياماً، أن يعرفوا بفعل (غيبوبة) عاجلة، تلك البرهة التي يفعل فيها (اللاشعور) فعلته، أشبه بالتوغل في (لعبة الكريات الزجاجية) تلك الرواية الفذّة للشاعر والروائي الألماني (هرمان هيسة)، وصاحب مجموعة قصصية هي (أنباء غريبة)، تفيض بالخيال الساحر، وهي تتعرض لمفاهيم عن الحرب والسلم، المعرفة والحضارة، والفن والموسيقا، ترى هل (دفتر أحوالنا)، مازال غير قادر على تفسير الأنباء الغريبة، (وتحريك قيثارة المروج) لكثرة ازدحام اليأس محاصراً قلب الأمل؟!
حيث تتقوسّ الحواجب ولا يتجول الفرح تحتهما، ويمشي الهزل حافياً على بللّور الضحك، ماذا يعني: أن تتشاءم أكثر، غدت طريقة لتوسّل التفاؤل. ويقولون: إذا دخل التشاؤم من الباب، خرج التفاؤل من الشباك، بشيء من المفارقة مع مألوف شعبي بعينه، المتشائمون وهم على حقّ لطريقة ما، يبثّونها يعيشون هاجساً اسمه الزمن، في مقابل ما اعتبر أنه (الخدعة الكبرى) التي وقع ضحيتها أجدادنا في القرن التاسع عشر، ولا نزال ندفع ثمنها-يقول أحدهم-وهو على حق أيضاً، ويضيف: (إن الآلة قادرة على تحرير الإنسان من الأعمال اليومية والواجبات اليدوية مما يمكنه من التفرغ أكثر للقيم والمفاهيم والمثل العليا والنشاطات الراقية (الفن، الفكر، السياسة)، ولكن الصحيح أن الإنسان لم يكن يوماً أقل حرية في التفرغ لنفسه ولفنّه…
وهل ذلك ما حمل الأديبة د.ريم هلال مثلاً على أن تشي بخشيتها من أن يذهب (الورق والأقلام، المماحي.. الأغلفة، المصنفات.. المجلدات، المكتبات، إلى المتاحف الأثرية)؟!
الخشية من الآلة، أنها (تغوّلت) فحالما ينقطع (النت) يكتشف المرء أن لديه عائلة جميلة ومحبة.. هكذا نتندّر، ولعلنا نخفي (استلاباً) ضمنياً للآلة، كيف أصبحت الناطقة بأسمائنا!
* دفتر أحوال ربما يدخل بدروه إلى المتاحف الأثرية، وربما زمن الكلام… فقد أصبحت الإشارة هي اللغة المتداولة والحوار تديره الأصابع مع عالم افتراضي، لسنا نعلم حتى الآن، أننا أصبحنا أبعد من (البرينيه) وحقائقها اللزجة، لتقاس (بالسنتيمتر) من الكلام… هي أسئلة عاقلة، لدفتر أحوال (مجنون)!.