الفتيات هنَّ الحلقة الأضعف في مواجهة تشييء الإنسان
سأستغل مناسبة اليوم العالمي للمرأة لأقدم لها هدية، ومن أجمل الهدايا أن تُهدي لأحدهم عيوبه.
عندما تنتقل الفتيات من مرحلة المراهقة إلى مرحلة الشباب، يسعين إلى التطابق مع مفهوم المجتمع عن الأنثى، فتقوم الفتيات اللاتي ينتمين إلى بيئة محافظة بارتداء المعطف الطويل (المانطو) وملابس ذات ألوان غامقة، ويتجنبن الملابس ذات الألوان الفاتحة، إضافة إلى حملهن لحقيبة يد.. بينما تعمد الفتيات اللواتي ينتمين إلى بيئة متحررة، إلى وضع مساحيق التجميل وارتداء الكعب العالي واختيار ملابس تلفت النظر إلى أن أجسادهن باتت مكتملة المفاتن..
وتمضي الفتاة وقتها متحفّزة لسماع تعليقات الناس وإعجاباتهم حول جسدها ووجهها وذوقها في اختيار الملابس ومساحيق التجميل، ومن يراقب صفحات الفيس بوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي يلاحظ ذلك.. أي تتحول الفتاة شيئاً فشيئاً إلى الهوس بالجمال وصيانتهِ وتدخل في منافسة لا تنتهي مع أقرانها، حتى باتت تركز على تعليم ابنتها كيف تكون من سدنة الجمال وكيف تجذب الأنظار إليها.
كنت ذات مرة أسير في أحد شوارع مدينة دمشق، وإذا بفتاةٍ ترتدي ثياباً لافتة جداً للنظر وخصلات شعرها مصبوغة بألوانٍ عديدة ووجهها ملون بمساحيق التجميل، وإذا بها تتذمر لأن شابّين يسيران وراءها..فردَّ عليها رجلٌ عجوز قائلاً: (أنتِ تمضين الساعات تتزينين كي تلفتي نظر الشباب، وعندما تنجحين في ذلك لدرجة أن يسيروا خلفكِ مسافاتٍ كي يتمتعوا بما تعرضينه من جمالكِ.. تتذمرين!!) أضحكني جواب ذلك الرجل العجوز. نعم، كثير من الناس قد ينظرون إلى تلك الفتيات، كمن يلقي شباكاً في منطقة تكثر فيها الأسماك، ثم يتذمر إن علقت في شباكه سمكة ويدّعي أنه ليس بصياد.. لكن المسألة ليست بالضرورة على هذا النحو، فالأنثى تتنافس مع بقية الإناث والتنافس من طبائع البشر الأصيلة، ولكنها قد تنهمك في هذه المنافسة وتقع من حيث لا تشعر فيما لا ترغب فيه.
ولعل العبارة التي تسمعها الأنثى منذ الطفولة الشابة إلى مرحلة أوج شبابها، كلما قامت بعمل جيد هي(إن شاء الله بفرحة أهلك فيكِ)! ولعل أكثر سؤال تسمعه الفتاة: (إيمت بدنا نفرح فيكي؟) بينما تتنوع العبارات التي يسمعها الشباب.. مما يولد شعوراً لدى الأنثى أن غاية الحياة ومهمتها الكبرى أن يجري اختيارها من قبل رجل.. وتظن أنها حققت سعادة الجميع بمجرد وضع خاتم في يدها، بينما الزواج ليس إنجازاً على الإطلاق إلاّ في حال تكلل بالنجاح، ولا يمكن الحكم عليه من ليلة الزفاف.
يمضي الشباب حياتهم في التعلّم واكتساب الحرف والمهن والعمل والإنجاز كي ينالوا رضا المجتمع، في الوقت الذي تتعلم فيه الفتاة كيفية تسوّق الثياب الجميلة، وتجلس ساعات وساعات أسبوعياً عند مصفف الشعر وأمام المرآة.. وتُعامل ككائن جميل مهمته جذب عريس يدفع (مهراً) جيداً، وينقل الفتاة إلى مكانة اجتماعية أفضل من التي هي فيها، سواء عبر مكان السكن أو مهنته ذات الدخل المرتفع أو مكانته الاجتماعية المميزة.. فكما تُزيّن الفتاة دميتها كي تكون الأجمل، تسعى العائلة إلى تزيين ابنتها كي تكون الأجمل، ويقع اختيارها من قبل رجل، وكأن المجتمع واجهة ضخمة فيه الفتيات دمى تسعى كل دمية إلى مكان أبرز ومُضاء بشكل أفضل في الواجهة كي يختارها رجل ما وينقلها إلى منزله.
وما دامت الأنثى تسعى لتتطابق مع مفاهيم المجتمعات الشرقية عن (الأنوثة) فهي ستبقى (مواطناً درجة ثانية وضلعاً قاصراً).. أما إن استطاعت أن ترتقي بوعيها وتشعر بأنها تساوي الرجل وتُبادر، كأن تقوم مثلاً بخطبة الرجل أو تأمين السكن وتبتعد في سيكولوجيتها عن مقولة شكسبير (الأنثى تطلب من الدنيا شيئاً واحداً، الرجل.. فإذا حظيت به طلبت منه كل شيء)، عندئذٍ فقط ستقترب من انتزاع مكانتها التي تستحق في المجتمع.. وإلاّ سيبقى كبار العلماء والقادة وحتى الطباخين وأهم الخياطين ومصممي الأزياء من الرجال، وستبقى الأنثى تُعامل كشيء جميل يترضّاه الرجل ليحوزه وليس ندّاً له.