الحنفية المعطوبة «حكاية من التراث السوري»
إذا أردتم أن تفهموا الخطط العبقرية التي تُحَل بها مشكلات شركاتنا التي مازالت على قيد الحياة، فإليكم هذه الحكاية عسى أن تكون فيها عبرة ودرس يستفاد منه في الأكاديميات العالمية، وقد جرت أحداثها في شركة عامة عريقة كانت تعيش في سبات ونبات وتوظف الشباب والبنات، إلى أن واجهتها مشكلة عويصة تمثلت في حنفية الحمام التي أصابتها العين الشريرة، فراح الماء يجري منها أغزر مما يجري النبع الوحيد الذي يروي ضيعتي، دون أن يستطيع أحد إيقافه، طبعاً قلة من اهتموا بالأمر، وهذه القلة راحت تنادي أهل الشهامة والمروءة لوقف هذا الهدر، ولكن أهل الشهامة والمروءة ارتأوا أن تبديل الحنفية لن يتماشى مع سياسة ترشيد الإنفاق الحكومي والابتعاد عن الهدر، (فطنّشوا) الموضوع كله. إلا أنهم أحسوا بالكارثة، عندما راحت المياه تجري من تحت مكاتبهم، عند ذلك أعلنت حالة الطوارئ، وانعقد المجلس الحربي للشركة، بحضور جنرالات الحنفيات، وفقهاء التمديدات والتصريفات، وتوصلوا الى قرار خطير أغلقوا بموجبه باب الحمام، وكتبوا فوقه عبارة ( ممنوع الاقتراب والتصوير)! بل ذهبوا أكثر من ذلك، فنصبوا كاميرا متطورة هناك، لمراقبة من تسول له نفسه فتح الباب لسبب طبيعي، أو لأسباب تآمرية. بعد فترة وجدوا أن المشكلة صارت أكبر فقد امتلأت الممرات بالماء، فلم يجدوا بداً من الاتصال بالفلكية الشهيرة التي باتت علامة مضيئة في شاشاتنا وإذاعاتنا وصحفنا بعد اتباعنا سياسة التحديث الإعلامي، وتفضلت العالمة مشكورة بالنصيحة، إذ أشارت بشراء حنفية جديدة، واختارت لتركيبها يوماً مباركاً يلتقي فيه كوكب المريخ بكوكب الزهرة، عندها اجتمع المجلس ثانية، وجنباً الى جنب جلس دعاة الإصلاح ودعاة التغيير، واحتدم النقاش حول الدولة التي سيشترون منها الحنفية، بعضهم أرادها اشتراكية، والبعض رأسمالية، وقسم آخر فضل دول البريكس، وبحثوا موضوع المناقصات والمزايدات، وعقود التراضي، وعقود التغاضي، ثم وجدوا أنهم لن يستطيعوا تأمين عملة صعبة، فجمعوا عملة سهلة – أي من جيوب الموظفين – وطار وفد منهم إلى سوق الحرامية، واشتروا حنفية بنت عالم وناس و(غير أمها تمها ما باس)، وعندما عادوا استقبلوا بالزغاريد والأهازيح الشعبية وعقدت حلقات الدبكة. مضت الأيام، واستمر جريان الماء من الحنفية بقوة، والسبب أن الحنفية لم تركب، لعدم وجود خبراء أجانب في هذه المرحلة، أما الخبراء المحليون، أي مهندسو الشركة، فأغلبهم ضائع مثل إبرة في كومة قش، والبعض مشغول بالغش، والباقي لا يهش ولا ينش!
والآن، إذا تمشى أحدكم يوماً على كورنيش بردى، يمكنه الاستمتاع بمياه النهر التي عادت إلى الجريان بعد طول انقطاع، والفضل يعود للحنفية، فما زالت مياهها تسكب في المجاري، وإذا لم تصدقوا الحكاية، أدلكم على بعض أبطالها الذين ما زالوا أحياء يرزقون وعلى مكاتبهم يتكئون!