بدلاً من الضرائب.. ثلاثة إجراءات تؤمن تمويلاً لخزانة الدولة
قد تكون عقلية الجباية الضريبية غير ناجحة لتأمين موارد حالياً، لكن هناك إمكانية لتحصيل موارد بطريقة لاتزيد الضغوط على الناس، وتشيع أجواء التفاؤل والارتياح، أبرزها على الاطلاق: استعادة أموال الفساد أولاً، ووضع حد للهدر في الإنفاق ثانياً، ومساعدة القطاعات الإنتاجية على الانطلاق السريع، لاسيما في القطاعات التي دورتها الانتاجية قصيرة ثالثاً. أما غير ذلك، وما يُسرَّب من معلومات عن توجهات وزارة المال بفرض رسوم وضرائب جديدة، فلن يؤدي الغرض المطلوب، لأن هذا يمثل الكارثة بعينها، التي تأتي على ما تبقى من الاقتصاد، وما نجا منه خلال الأزمة الراهنة.
إذ تبحث وزارة المال عن موارد جديدة، تغذي بها خزانة الدولة، لتعويض النقص الحاصل، وسد الاحتياجات، وتأمين المال لزوم المشاريع والإنفاق الجاري. هذا الحق المشروع والمطلوب من الوزارة، لايمر وفقاً لمتطلبات المرحلة، والأخذ بالحسبان، الضغوط الهائلة التي يتعرض لها المواطن. إذ تنطلق فلسفة هذا التعويض عن النقص في الموارد، باتباع أسهل السبل، والاستناد إلى نهج قديم لايمكن نسيان آثاره المخيفة اقتصادياً واجتماعياً، يتمثل بمزيد من الإعفاءات لكبار رجال الأعمال والمستثمرين، والشركات القابضة والمساهمة، واستهداف ذوي الدخل المقطوع، إلى جانب زيادة الرسوم على عدد من الخدمات، الهاتف أنموذجاً.
ورغم أن وزير المال، أكد أنه لن تُفرض ضرائب جديدة على المواطنين، ثمة تساؤل جوهري في هذا المجال: من أين ستتأتى هذه الزيادة في الضرائب؟ وكيف ستحصِّل أو تجبي وزارة المال الضرائب في ظل الواقع الحالي؟ لابد من التطرق إلى أعمق مشكلة تواجه جباية الضرائب حالياً، وهي التوقف القسري لعدد كبير من المنشآت الصناعية، واقتصار حلقات الإنتاج على الممكن وضمن الحدود الدنيا، فيما النشاط التجاري مستمر باستغلال أحكام الاعفاءات ونوافذ التهرب الضريبي. هذا المطرح الضريبي المهم، أي القطاع الإنتاجي، لايمكن الآن زيادة أعبائه، وهو بحاجة إلى الدعم والرعاية ليقلع من جديد، ويمشي على السكة الصحيحة، كما أن المنتجين الحقيقيين، يطالبون بقروض ميسرة، للاستمرار في الإنتاج وتأمين احتياجات البلاد، من مختلف السلع. ليبرز التساؤل الأخر: من هي الشريحة القادرة والمستعدة لزيادة أعبائها الضريبية؟ حق وزارة المال المشروع في تأمين موارد بعد التراجع الكبير والحاد في الجباية، لابد من أن يستند إلى أسس واضحة ومحددة، تفضي في نهاية المطاف إلى تحقيق ايرادات جيدة ومعقولة، أما أن نبقى في حلقة مفرغة من المضمون، ونطلق حملات شكلية، ووعود وهمية لزيادة الإيرادات، فتلك مشكلة كبرى، لاتتوقف حدودها السلبية عند بقاء خزينة الدولة خاوية.
القطاع العام، الذي كان من أكثر المتضررين من عقلية الجباية السابقة، لايمكنه اليوم تقديم ما هو فوق طاقته، وكغيره من القطاعات الأخرى، لن يكون بمقدوره احتمال أعباء جديدة، فهو أيضاً بحاجة إلى الدعم، وربما تعويض خسائره بسبب الأزمة، وهذا يتناقض مع مبدأ زيادة الأعباء الضريبية. كما أن هناك مؤسسات إنتاجية تسعى إلى الاحتفاظ بفوائضها المالية، لتستثمرها في إعادة تأهيل وإصلاح ما خُرِّب في الفترة الماضية من الصراع المسلح. وإن قطاع النفط، الذي كان يموّل خزانة الدولة بالقطع الأجنبي، وبالضرائب والرسوم، متوقف عن الإنتاج، وتُسرق هذه الثروة ولا يستفاد منها شيئاً. وكذا قطاع السياحة الأكثر حساسية من الأزمة الراهنة، وأول القطاعات المتضررة، فلم يتغير شيء جوهري وعميق ليعود إلى سابق عهده.
لايتيح مشهد الاقتصاد السوري فرصة لزيادة الضرائب، فمؤشراته كلها لا تطمئن، وخسائره هائلة، والتفكير بمنحى كالضرائب لن يسهم في حل مشكلة النقص الحاد في موارد الخزينة، كما أن غياب أي مطرح ضريبي جديد، ممكن، يعقّد المشكلة أكثر، ويفرض تحديات هائلة أمام وزارة المال. إذ لم يتغير شيء لوضع حد للتهرب الضريبي السائد، ولا توجد ملامح تفاؤلية قصيرة الأمد، لتسدد المنشآت الإنتاجية الضرائب، ولن يتخلى كبار رجال الأعمال عن مبدئهم بالتهرب الضريبي، مقابل التزام ذوي الدخل بتسديدها، ما يعيد طرح التساؤل من جديد: ومن أين سترفد وزارة المال خزانة الدولة بالضرائب؟