الانعكاسات الاقتصادية للأزمة السورية
ذكرنا سابقاً أن الأسباب الاقتصادية للأزمة جوهرية وأنها ركن أساسي من مسبباتها، وهذا يقود إلى استمرارها، ما لم تُعالَج الأسباب، من إقصاء واحتكار وتجاوز قوانين وتكوين طبقات لا تملك متراساً أخلاقياً وقيمياً وطنياً بنّاء، وكذلك فإن الآثار الاقتصادية للأزمة كانت كبيرة جداً، وهذا سيكون لبّ مقالتنا هذه.
راهن الكثيرون على الانهيار الاقتصادي السريع بحصار وضربات موجعة وتعاون أصحاب رساميل، ولكن الاقتصاد السوري صمد بشكل أثار الدهشة لغير العارفين ببنيته وببنى الشعب السوري، ومع ذلك كان هناك شذوذ وانحرافات تجلت في قرارات كان لها آثار سلبية وأحياناً بنيوية، قرارات غير مبررة وغير حميدة النتائج، ولكن المعوّل عليه أن أهم عناصر الصمود هي بقايا سياسات وُضعت منذ الستينيات واستمرت حتى الثمانينيات وأواسط التسعينيات، وهي التي قوّت سورية ضد العزلة والحصار في تلك الفترة، ورغم تشابه التآمر في تلك الفترة (فقد حصل تآمر على الليرة وأصبح الدولار بنحو 50 ليرة، بعد أن كانت 5,3 ليرات، ولم تستطع الأدوات الأدوات الداخلية القضاء على القطاع العام الذي صمد في وجه كل محاولات قتله). مع العلم أنه خلال هذه الأزمة دُمّر الكثير من المصانع التي كانت رافداً للاقتصاد، وسورية متميزة بإنتاجها وكذلك بقدرة الشعب السوري الكبيرة على الصمود وتغيير عاداته الاستهلاكية (أكيد أتكلم عن الشرفاء ولا أقصد تجار الأزمات ومن يلف لفهم) وأخيراً العقلية المتميزة بإدارة الأزمة، ولا أقصد الفريق الحكومي.
اللافت للنظر والمسيء للوطن هو استمرار النهج الاقتصادي خلال الأزمة مثلما كان عليه ما قبلها، وهو الذي كان أهم الأسباب لتهيئة البيئة الحاضنة لولوج الأدوات والأفكار، بشكل أسوأ مما سارت عليه حكومة العطري والدردري، فجاءت حكومة اتخذت القرارات المدمرة برفع أسعار المازوت والفيول والكهرباء والضرائب والرسوم وما يبعد عن إدارة الأزمات، ويقترب من تحقيق حلم بعض الأشخاص زيادة الثروات وتنفيذ سياسات شخصية أقرب إلى ما تريده الولايات المتحدة ومؤتمر واشنطن.
يقول البعض إن سورية خسرت إنجازات عقدين من التنمية البشرية.. وقدّرت خسائر الاقتصاد السوري حتى نهاية 2012 بنحو 48.4مليار دولار، وهذا يعادل 81.7 % من الناتج المحلي الإجمالي لسورية في عام 2010 بالأسعار الثابتة لعام 2000 وتعتبر هذه الخسارة كبيرة مقارنة بالخسائر التي نتجت عن النزاعات الداخلية في دول أخرى. وإجمالي هذه الخسارة يتوزع على 50% خسارة في الناتج المحلي الإجمالي، 43 % أضرار في مخزون الرأسمال، إضافة إلى 7% التي تمثل الزيادة في الإنفاق العسكري نتيجة للأزمة. وقدر التقرير تلك الزيادة بنسبة 2,2% سنوياً من الناتج المحلي في 2011 و6,6%، في 2012 (3.6 مليارات دولار بالأسعار الجارية)»، أي ما يعادل 9%، في عامين، ويقدر خبراء أن هذه النتيجة مرتبطة بمتطلبات الجيش الداخلية، من استجرار للوقود وحاجته للسيولة المادية، علما أن الإعلام الرسمي أو حتى الدولي (الصديق، العدو) لم يتحدث عن صفقات عسكرية معلنة خلال فترة الأزمة قامت بها الحكومة. وبشكل عام، من المقدر أن تؤدي الأزمة إلى نمو سالب في الناتج المحلي الإجمالي لسورية بمعدل 3.7 % (سالب) عام 2011 و18.8% (سالب) عام 2012 مقارنة بنمو إيجابي في ظل سيناريو استمرار حالة ما قبل الأزمة (السيناريو الاستمراري) يصل إلى 7.1 % في 2011 و5.6 % في 2012 ومع نهاية عام 2012 ، سيرتفع العجز، حسب التقرير، في الحساب الجاري إلى 18.5%من الناتج المحلي الإجمالي.
وأكيد سيكون للأزمة أثر سلبي كبير على ميزان المدفوعات ليصل العجز التراكمي إلى 16 مليار دولار. وغالباً، يمول هذا العجز من صافي الاحتياطي الأجنبي، مما سيؤدي إلى انخفاض هذا الاحتياطي من نحو 18 مليار دولار في عام 2010 إلى نحو 2 مليار دولار في 2012 مع تحفظي على الأرقام لأنه من أولويات إدارة الأزمات عدم التصريح العلني بالوضع الاقتصادي ووضع الاحتياطات من العملات الصعبة، وهو ضروري ما دامت الأمور تدخل في محاولة النيل من البلد بأي أسلوب وأي طريقة ولو على حساب الدم والدمار
وكذلك تدل المؤشرات على أن الأزمة أثرت تأثيراً كبيراً في سوق العمل، إذ يقدر التقرير خسارة الاقتصاد السوري 1.5 مليون فرصة عمل حتى نهاية عام 2012 وزيادة جوهرية في معدل البطالة بنحو 24.3 نقطة مئوية (من 10.6% إلى 34.9%)، الأمر الذي يؤثر في الظروف المعيشية لـ 6.1 ملايين شخص. واختلف هذا الأثر حسب المناطق، أي وجود مناطق أكثر فقراً.
ومن حيث القطاعات:
الزراعة: خرج الكثير من الأراضي من الإنتاج، لصعوبات النقل والتسويق وانعدام الظروف الأمنية للزراعة، وبالتالي تراجع الكثير من المحاصيل الاستراتيجية والاستهلاكية وانعكس ذلك على سعر السلعة والتضخم الكبير، وكذلك خروج الكثير من المنشآت ذات الإنتاج الحيواني كالأبقار والدواجن، مما جعل الأسعار مثل النار وتضاعفت الأسعار أربعة أضعاف، وقلة تداول هذه السلع الأساسية في السوق، وكذلك ارتفاع أسعار المواد الأساسية للزراعة من بذور ومبيدات ورفع سعر المحروقات، مما انعكس على التكلفة، وهذا ما يضع الخبراء في أمام تحديات جمة للعودة بهذا القطاع إلى بر الأمان والاكتفاء الذاتي الذي كان تحقق لبلادنا في مختلف السلع النباتية والحيوانية، وكذلك صعوبة تسويق بعض السلع الفائضة التي تزرع في المناطق الآمنة كالحمضيات والزيتون، وتضرر أهم المحاصيل كالقمح والشعير والقطن وغيرهم.
الصناعة لم يتم الانتهاء من حصر الخسائر النهائية للقطاع الصناعي العام، وقد بينت الوزارة أن قيمة الأضرار التي لحقت بشركات المؤسسة الكيماوية نحو 48 مليار ليرة سورية والمؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان 43 مليار ليرة سورية، والصناعات النسيجية 24 ملياراً والأسمنت 23 ملياراً والصناعات الهندسية 19 ملياراً والتبغ 15 ملياراً والغذائية 11 ملياراً ومؤسسة السكر 6 مليارات بسبب استمرار الأزمة، حسب أرقام وزارة الصناعة لغاية الربع الأول من عام 2014 والمجموع نحو 188 مليار ليرة سورية
الاستثمار
للأسف كان هناك نزوح كبير لأغلب الاستثمارات القائمة المولدة للنمو من جهة، وعدم جذب لاستثمارات، وكان هناك تدمير للبنى التحتية (سكك حديد جسور مشافي مدارس محطات توليد كهرباء ومياه) مما سيجعل مستقبلاً هذه البنى أولوية في إعادة الإعمار بعد أن قطعنا درجات متقدمة في الوصول إلى مراحل غطت أغلب المناطق ولأغلب السكان، فقد أشارت الاحصاءات إلى أن عدد الشركات السورية التي أسست بمصر 365 من أصل 939 شركة، وفي تصريح لوزير التجارة المصري أفاد بأن 80 مصنعاً سورياً قد تم نقله إلى مصر، وأن حكومته تفاوض 300 رجل أعمال سوري يرغبون في الاستثمار بمصر، وتقدم 50 رجل أعمال يعملون بالغزل والنسيج ويصدرون أعمالهم إلى أوربا. وفي الأردن تبين أن السوريين أدخلوا اكثر من مليار دولار عام 2012 ومن جانب آخر تم تسجيل نحو 500 شركة سورية في الأردن خلال عامي 2011 و2012.
بالرغم من النزيف الكبير للكفاءات قبل الأزمة، أدت الأزمة إلى نزوج عشرات الآلاف من أهم الكفاءات بمختلف المجالات ومن حملة الشهادات والتقنيات والأفكار، وأدت كذلك إلى استشهاد آلاف منهم، في خسارة أهم من الخسائر المالية والمادية وهروب الاستثمارات المحلية والأجنبية وتدمير وسرقة المعامل والمدن الصناعية بحلب وحمص.
قطاع الكهرباء
بحسب مدير التخطيط في الوزارة قدرت الخسائر على أساس (ك- و-س غير المخدم تعدال 50 ل.س / ك.و.س على أساس الدولار 50 ل.س بين أن الكمية المنتجة عام 2011 هي 4290 بينما أصبحت عام 2013 نحو 2971.
وقد ذكرت تقارير أن الجزء الأكبر من التكلفة الاقتصادية للعقوبات التي فرضت على سورية تحملها الشعب السوري، ويظهر التقرير أن 28.3 % (6.8 مليارات دولار) من إجمالي الخسائر في الناتج المحلي خلال الأزمة، على الأقل كانت بسبب العقوبات، والجزء الرئيسي من هذه الخسائر والقابل للقياس كان في قطاع النفط ( 9,3 مليارات دولار)، بينما تحملت قطاعات النقل والصناعات التحويلية والتمويل بقية الخسائر. وباستخدام منهجية المحاكاة على المستوى الجزئي، يقدر التقرير زيادة الفقراء بـ 877 ألف شخص من إجمالي الزيادة في الفقراء، نتيجة للعقوبات، وهذا ما يثبت كل ما قلناه سابقاً أن الغرب لا يريد معاقبة أشخاص وإنما تدمير بنى واقتصادات، ولو على حساب لقمة العيش والدماء …
و الدمار الهائل للشقق السكنية التي تقدر بمئات الألوف والمشافي والمدارس والجسور والطرق وغيرها من البنى التحتية…
الليرة السورية
ما عانته الليرة السورية خلال الأزمة شيء عجيب وغريب ولم يكن نتيجة الظروف وإنما بسبب سياسات لا تناسب الواقع، جرى الحفاظ عليها إما لأخطاء وضعف الأداء أو لغايات في نفس يعقوب، ففي بداية الأزمة عندما عم الخوف وهرول كثيرون للدولرة أو لشراء الدولار للنزوح والهجرة صمدت الليرة لمدة طويلة، ووصل الدولار إلى 80 ليرة ثم إلى حاجز المئة وثلاث ليرات، وبعد الضغط عادت إلى الثمانين، وبعد أن استقر الناس قفزت بشكل فجائي إلى فوق الثلاثمئة وعادت إلى المئة والسبعين، وهبط إلى مئة وثلاثين، وجاء قرار ميالة برفع الدولار التصديري10 ليرات ليعود معادل للارتفاع، وكان هذا الارتفاع نتيجة لتضخم غير مراقب أو محمي من البعض لبضائع مخزنة، وضعف تدخل وزارة حماية المستهلك وعدم مراقبة الأسواق، أو لتصرفات يوحى منها ضبط الليرة ومفعولها عكسي، مثل المزايدات لبيع الدولار وما شابهها من فساد منع التحويلات إلا بالليرة، وما أدى لتحول الناس إلى الصرافين في السوق السوداء عدم مراقبة مكاتب الصيرفة، وتصريحات تجنّن الدولار من مسؤولين إما جاهلين أو تابعين، ولعب بعض الدول بعرض الليرة السورية، أو اللعب من الخارج بأسعار بعض العملات المحولة، ووضع الليرة من أهم عناصر الثقة بقوة الاقتصاد واستقراره وثقة المواطن بالأجواء، ولولا تدخل الجهات المختصة بموضوع الأسعار أو الليرة، لانهار الاقتصاد والبلد وساءت أحوال العباد أكثر مما هي سيئة، وكان من نتيجة هذه السياسات اغتناء تجار الأزمة، وولادة أصحاب الأموال السوداء ليولدوا طبقات جديدةمن لصوص وحرامية كل شيء من المال إلى الأثاث إلى النفط إلى شراء وسرقة الأعضاء وهذا سنعالجه بالنتائج الاجتماعية والحلول والبرامج المناسبة للانطلاقة المتجددة، إضافة إلى الفقر والبطالة.