قرارات الحكومة زادت بورصة «السوداء» تألقاً!
اللعب على المكشوف أصبح واقعاً بعد أن ظهرت خفايا أوراق حكومتنا التي أعلنتها قرارات زادت من بقعة السواد في مجتمع.. أصبح الفقر عنواناً عريضاً لمواطنيه الكادحين المتألمين من قسوة الحياة العصرية التي تحولت إلى حرب قاتلة طحنت بين رحاها حياتهم وأحلامهم، فقد سرقت منهم قرارات رفع الدعم لقمة عيشهم وهي تجعلهم حطباً للسوق السوداء التي باتت أشهر من سوق عكاظ، بمنحها امتيازات الدعم الحكومية التي سلبتها من المواطن الكادح.
تصريحات الحكومة الأخيرة التي وصفت قراراتها بـ(العقلنة) وبأنها ستوفر كل مستلزمات العيش، وسوف تحارب المستَغِلين والمتلاعبين بلقمة عيش المواطن، لم تكن هذه التصريحات إلا كلاماً كالحبر الذي رسم كلمات قراراتها في رفع الدعم الحكومي عن المواطن الذي جعل السوق السورية تمتزج بروح السوداء، فأخذت منها الرونق ليسطو تجار السوداء على كل شيء ورقبة المواطن بيدهم.
من خلال جولة لنا في السوق تعرّفنا على مكونات هذه السوق، ورصدنا الواقع الذي ننقله كما هو بدءاً من المحروقات التي أصبحت الرقم الأول والصعب في السوق السوداء، بعد أن أزاحت الدولار والأسمنت والدخان لتتصدر المرتبة الأولى بكل جدارة.
توالت قرارات رفع أسعار المحروقات في العام الماضي، فدخلت لعبة الاستغلال الكبيرة التي تمارسها الكازيات والتجار، وتابعت الحكومة مسيرتها دون معالجة الأخطاء، فهي لم تحمِ المواطن من الاستغلال، ولم توفر المادة في السوق بالسعر النظامي، ولم تعاقب المتلاعبين، وتابعت تهربها من مسؤوليتها تجاه المجتمع السوري وحماية المواطن، مما زاد الوضع سوءاً وتفاقماً، فازداد عدد المستغلين، وأصبحت المحروقات مادة الاحتكار، وتباع وفق تسعيرات السوق السوداء، وأتى القرار الأخير برفع أسعار المحروقات، وخاصة مادة المازوت، التي تعتبر الشريان الأساسي للحياة في سورية، ومنح الامتيازات للمستوردين.. وقد وعدت الحكومة في تصريحاتها بتوفير المادة للمواطنين بالتسعيرة الحكومية، وبأنها سوف تحاسب المستغلين.. ولكن ماذا جرى؟ لم يكن ذلك سوى كلام فاقد للشفافية والمصداقية، فبرفع الدعم أصبح تجار السوداء زعماء السوق والمتحكمين الرئيسيين والتسعيرة يومية حسب مزاجهم الشخصي، والحكومة تعيش سباتها الشتوي بسكينة.
في متابعتنا لأسواق الساحل والمنطقة الوسطى وكازياتها.. لاحظنا أن المعاناة تزداد في تأمين الوقود بنوعيه، والأسعار مرتفعة جداً لليتر الواحد، فمثلاً المازوت، الذي بات سلعة نادرة، تراوح سعر الليتر بين 200 و250 ليرة، وفي بعض المناطق وصل إلى 300 ليرة سورية.. وللبنزين القصة نفسها ولكن بسعر أقل، فتراوح سعر الليتر بين 185 و200 ليرة سورية، وبهذه الأسعار الجنونية للمحروقات، ارتفعت أسعار النقل وأجور التنقل في سرافيس الخدمة وصارت التعرفة مرتفعة لا تحتمل في وقت الامتحانات الجامعية وغيرها.. السؤال: أين هي الحكومة السورية اليوم؟ هل حقاً تستطيع حماية المواطن كما تقول؟ إذاً أين دورها ووعودها؟
لم تكن المحروقات هي الوحيدة التي أصبحت على قائمة أسعار بورصة السوداء اليومية، إذ انضمت إليها أسطوانة الغاز، التي باتت سلعة تجارية بامتياز بعد أن فقدت اهتمام الحكومة التي سلبت منها صلاحيات الدعم كافة، فأصبحت رهينة بأيدي المستغلين من تجار السوداء.. وقد باتت شبه مفقودة، وإن وجدت تراوح سعرها بين 2500 و3000 ليرة سورية، وفي بعض المناطق وصلت إلى 4000 ليرة سورية.. وبسؤال وجهناه للمواطنين عن توفر الوقود وأسطوانة الغاز، وهل يحصلون عليها بالتسعيرات الحكومية؟ كانت إجاباتهم: (الحكومة حتى اليوم لم توفر لنا مازوت التدفئة، لم نحصل على ليتر واحد، في حين هناك مناطق حصلت على مخصصاتها الشتوية، وكان تساؤلهم: هل تنتظر الحكومة الصيف لتمنح المواطن مخصصاته من مازوت التدفئة؟ أما أسطوانة الغاز فباتت غير موجودة، وإن حصلنا عليها نحصل عليها بالدولار وبأسعار مضاعفة)! وتساءل المواطنون عن السر في غياب الرقابة والقانون الذي يحمي المواطن من براثن تجار الوطن من المستغلين المتاجرين بلقمة عيشهم.
وسؤال آخر توجهنا به إلى أصحاب وسائط النقل عن سبب رفعهم لتعرفة الركوب، كان جوابهم جاهزاً: (عندما نحصل على ليتر المازوت بالسعر الحكومي، ونحصل على مخصصاتنا، نعتمد تسعيرة التموين.. فنحن نحصل على ليتر المازوت بسعر فوق 200 ليرة، وليس هناك من يحمينا، وبصعوبة نحصل على القليل من المازوت)! أما بالنسبة للطلاب والموظفين، فكان لنا معهم وقفة لنسألهم عن معاناتهم اليومية التي أصبحت واقعاً يحز أعناقهم فكان جوابهم: (واقعنا بات صعباً.. الكثير من الطلاب توقف عن الدراسة بسبب ارتفاع أسعار النقل وغيره، بات التعليم صعباً للغاية بسبب الفوضى التي نمر فيها وبغياب الرقابة والقانون الذي يحمي المجتمع، ولا نعرف ماذا تخبئ لنا الحكومة بعد من قرارات جديدة كفيلة بالقضاء على مستقبلنا).
بالتأكيد أصبح الواقع صعباً، فمثلاً بالنسبة للطالب هناك حسم 20% على تعرفة الركوب، ولكنها لا تطبق واليوم باتت غائبة عن لائحة تعرفة التموين، وأصبح الاستغلال واقعاً على جميع الصعد المجتمعية بقرارات لم تكن لصالح المواطن، بل جاءت لصالح كبار التجار، وكأن الحكومة أرادت مراضاتهم على حساب مجتمع كامل، مواطنوه مازالوا يدفعون ثمن تمسكهم بأرضهم والدفاع عنها، وهو ثمن كبير جداً.
المحروقات كانت البداية ولحقتها أسطوانة الغاز وتلحق بها المواد الاستهلاكية الضرورية للحياة، لتصبح تجارة جديدة تنضم إلى السوداء.. حتى المعونات لم ترحمها أيدي المتلاعبين فأصبحت مخصصة للبيع بعد حرمان الأسر المهجرة والمحتاجة منها.
السوق السوداء باتت واقعاً مفروضاً على المجتمع السوري، وليست هناك، على ما يبدو، نية لمحاربتها، بل كل القرارات الحكومية جاءت لتصب في مصلحتها، وعملت على ازدياد عدد تجارها، فدخلت الكازيات تحت سقفها ليتبعها السوق بأكمله، فازدادت السوداء لمعاناً وبريقاً في ظل غياب القانون وانعدام الرقابة التي أصبحت (فماً يأكل ولا يتكلم)، والنوم السريري للحكومة السورية التي أصبح كلامها ولافتاتها عن محاربة الفساد فارغة، لا جدوى منها، وتربع الدولار على العرش في تسعيرات السوق التي باتت سوداء.