عاصفة حزم و«النخوَة العربية»

لم تكن (عاصفة حزم) العاصفة الأخيرة التي تهبّ على المنطقة، فقد ترسَّخت العواصف في تاريخ العرب منذ الاستعمار التركي والغربي، وبعد أن تصدَّرت القائمة الإمبريالية الأميركية التي لم تحقق أمنيتها، لكنها ما زالت تسعى وتسير في طريق الهيمنة على العالم، وإشعال الحرائق في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وبلدان أخرى.

وفي عام 1953 أي قبل ستة عقود ونيّف، قال عبد العزيز بن سعود وهو على فراش الموت: (لا ينبغي أبداً أن يسمح لليمن بأن تتوحد..).

لقد رفعت مملكة الرمال والنفط (راية الحرية للشعب اليمني.. وارتفع صوت الملك سلمان يردد: أين النخوَة العربية..؟! بحجة الدفاع عن الشرعية، وأن الرئيس هو الذي طلب التدخل العسكري). ولبَّت هذا النداء تسع دول مشاركة وست دول داعمة وأربع دول رافضة .. ونفّذت السعودية ومجلس التآمر الخليجي العدوان المباشر على الدولة اليمنية والشعب اليمني، مخالفة بذلك كل الشرائع والقوانين الدولية بالتنسيق بين البيت الأبيض وآل سعود والحلفاء الآخرين. وسمح أوباما بتقديم مساعدة لوجستية ومخابراتية لهذا العدوان الوحشي الغادر، وأن الهدف الأميركي هو (ديمقراطي نظيف.. وهو الدفاع عن الحكومة اليمنية المنتخبة).

لقد أصبح المواطن العربي (غير المسيس) يدرك بوضوح مواقف الدول العربية في مغرب العالم العربي ومشرقه، منذ أن بدأ (الربيع العربي) يتفاعل بدءاً من تونس وامتداده إلى سورية والعراق، ويكشف (الأسرار) التي هي مكشوفة في أساسها، خاصة موقف عبدالله الثاني الذي يطمر رأسه بالرمال ويحاول تحييد الأردن، لكن (عاصفة حزم) بيَّنت المشاركة الفعلية للأردن في العدوان وفي تدريب المسلحين وتصديرهم إلى سورية والعراق. كثيرون كانوا متفائلين بالسياسة المصرية (الجديدة) بعد أن جلس الرئيس السيسي على كرسي الرئاسة، لكن تغيرات جدية خرجت من كوّة قاعة مؤتمر(شرم الشيخ) وخروج الدخان الأبيض الذي يبشر بتقديم 12 مليار دولار دعماً للاقتصاد المصري.. ومن هنا باركت الخارجية المصرية الحملة المسعورة التي تقودها السعودية وحلفاؤها ضد الشعب اليمني. وجاء في بيان الخارجية: تعلن مصر دعمها السياسي والعسكري للخطوة التي اتخذها ائتلاف الدول المؤيدة للحكومة الشرعية في اليمن استجابة لطلبها، وذلك انطلاقاً من مسؤوليتها التاريخية تجاه الأمن القومي العربي وأمن منطقة الخليج. وبارك الأردن هذا العدوان وقال مصدر مسؤول: (تجسيداً للعلاقات التاريخية بين الأردن والسعودية ودول الخليج). ويبدو أن هذا القول أقرب إلى الصحة فالنظامان الملكيان المهترئان مرتبطان تاريخياً بالغرب الاستعماري، وهذا التأييد يجسّد عملياً هذه القرابة السياسية ويقوي روابط الأخوة بينهما، خاصة أن الأردن بحاجة ماسة إلى مليار دولار لترميم اقتصاده الذي يشارف على الانهيار..!

لقد أخطرت السعودية مجلس الأمن، وأن جامعة الدول العربية المنحازة كلياً بطبيعتها إلى أعداء الحل السياسي في أي دولة تتعرض للإرهاب، هي على استعداد للموافقة على العدوان السعودي، فأيّد نبيل (العربي) الضربة الجوية التي وجّهتها دول الخليج للحوثيين.. فالسعودية سعت تاريخياً وما تزال تسعى، إلى تقسيم اليمن التي تحدها من الجنوب وتطل على مضيق باب المندب الاستراتيجي..؟!

وفي المقابل أعلنت إيران بلسان وزير الخارجية، أن العمليات العسكرية تنتهك السيادة اليمنية ولن تؤدي إلاّ إلى إراقة الدماء، داعياً السعودية إلى الوقف الفوري للعمليات العسكريةَ. وعبَّرت روسيا عن قلقها الشديد إزاء ما يجري، وهي ترى أن حلّ الأزمة لا يمكن أن يتم إلاَّ بالاستناد إلى حوار وطني واسع. ورأت سورية أن الحوار هو الطريق السليم للوصول إلى الحل السياسي.

وخرج ألوف اليمنيين في تظاهرات ورفعوا شعارات تندد بالتدخل التحالف السعودي، الأردني، المصري، الأمريكي، الإسرائيلي. وعادت ذاكرة عبد الملك الحوثي إلى العقود الماضية، والتذكير بالحروب التي جرت في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وقال: (يا قيادة مصر لا تكرروا التجربة الخاطئة التي وقعت في الماضي.. لا تبيعوا الجيش المصري بقليل من المال). وأعلن الحوثيون تشكيل جبهات خمس (داخلية لمنع انهيار الدولة، وإعلامية، وتعبوية، ومادية، وأمنية).

ويبدو أن تخطيط التحالف الدولي – الإقليمي سيشمل خريطة الشرق الأوسط كلها، ولن يتوقف العدوان على اليمن. ويمكن أن ينتقل إلى سورية والعراق ودول عربية أخرى، وذلك استكمالاً لمشروق الشرق الأوسط الجديد.. ولكن السؤال: هل تقبل الشعوب العربية التي قدمت مئات ألوف الشهداء خلال التاريخ القديم والحديث، وأنجزت الاستقلال والسيادة، وما تزال تناضل من أجل الديمقراطية وحقوق المواطنة الكاملة، ما يجري من انتهاك سيادة الدول وتجاهل القوانين الدولية؟

العدد 1140 - 22/01/2025