الشباب ثروة وطنية لا يفرَّط بها
الأزمة في سورية والمنطقة العربية التي دخلت سنتها الخامسة أنتجت إفرازات مثقلة بالدماء والخراب الذي يتردد على كل لسان، ولم نعد بحاجة إلى تكرار ما يجري وما هو مسجَّل في فاتورة تقدّر بمئات المليارات من الخسائر.
إن أكثر المتضررين هم الشباب الذين يشكلون أكبر ثروة وطنية، ونسبة 50 في المئة من عدد السكان في العالم العربي. إذ يطرق معظمهم باب الهجرة إلى أوربا والبلدان الاسكندنافية والولايات المتحدة وأستراليا وغيرها.. وأي باب يفتح درفتيه للهجرة يتزاحم أمامه ألوف الشباب السوريين، إضافة إلى عشرات الألوف من الفنيين والصناعيين والمهندسين والأطباء.. ومن هم في سن الخدمة الإلزامية والاحتياطية.. وكثيرون، أما غير القادرين على تأمين مستلزمات الهجرة، فقد باع ذووهم بيوتهم وأراضيهم ودفعوا الملايين للمهربين الذين يجوبون البحار والمحيطات كي يصلوا إلى شواطئ اللجوء.. ومات كثيرون من الجوع أو الغرق، وفُقِد آخرون في ظروف غامضة.
وخسرت الأحزاب السياسية القوة الشبابية التي تشكل ديناميكية الأحزاب، وضعفت جاذبيتها بسبب حزمة من التغيرات السياسية والاقتصادية والبطالة وضبابية المستقبل وطبيعة النظام السياسي العربي وما تقوم به القوى الرجعية وتحالفاتها الدولية، واتساع دائرة النشاط السلفي والفكر الظلامي الأسود، وروَّاد الجهل والتكبير، وأصحاب المقاصل والبلطات، وآكلي قلوب الناس، وقاطعي الرؤوس وتجار الأعضاء البشرية.
إن مقولة (الشباب هم المستقبل) أصبحت بحاجة إلى مراجعة وإعادة قراءة (نظرية وعملية). وأن تقوم هذه المراجعة على ركائز خطة أو برنامج يحمل شيئاً من الفرح والأمل لجذب الشباب وجعله مشاركاً فعَّالاً – ليس على الورق -ورفض (التبجّح الفارغ) أو المفرّغ من مضمونه وأهدافه،وتفعيل الشباب كقوة سياسية واقتصادية واجتماعية وعلمية في المجتمع.
أرى أن السبب في تردّي واقع الشباب، إضافة إلى الأزمة الحاصلة التي أزَّمت حياتهم وقرَّبتهم من حافة الجرف، هو التضييق على حركتهم ونشاطهم ومحاسبتهم لأقل هفوة أو غلطة، وضعف الديمقراطية وسياسة (تطويب الشباب) واحتكارهم مثل أي (صفقة تجارية) في عديد الأنظمة العربية وبلدان الجوار وبنسب (دنيا وعظمى متباينة)، التي سادت واتَّسعت بعد الاستقلال من الاستعمار التركي والغربي.
يتساءل متابعون: كيف يمكن تصحيح هذه السياسة القائمة على رجل واحدة، أو كحدّ أدنى ترميمها والعمل على عودة الأحلام الوردية لأكبر فئة اجتماعية فتية وشابة؟
الواقع يجيب عن أسئلة متنوّعة في صورها وأهدافها، لسد الفراغ بين هذه القوة الشابة والأنظمة السياسية، وردم الهوة وتقصير المسافة بينهما.. وهذا العمل يحتاج إلى نضال سياسي وثقافي وأيديولوجي لنزع الأوهام التي غرستها التنظيمات الإسلاموية في تنوعها واختلاف أهدافها القريبة والبعيدة، والتي هي زُرعت أساساً في تربة واحدة، ورويت بفكر واحد مبني على قاعدة تكفيرية ظلامية، ولا مجال للمساومة مع هؤلاء، فهم يرفضون أي حوار مع (العلمانيين الكفار) أو مع أية فئة أو أي تنظيم سياسي وطني لا يجاريهم ويؤيد مواقفهم.
وإذا تفحصنا ما يجري في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، لا بدَّ من القول إنه (عقد التراجع والتردّي)، وأن موازين القوى انقلبت وتغيرت في جميع المستويات الإقليمية والدولية. وبرزت تحالفات سياسية وعسكرية وحتى ثقافية بدأت تعمل بكل قوة وتسخّر الإمكانات المادية والعسكرية ضد أغلبية المجتمعات العربية وضد شباب الأمة. فالدول الخليجية النفطية تهدر مئات مليارات الدولارات على دعم التنظيمات المسلحة بهدف التخريب وانهيار وسقوط الدولة، كما يحصل في (سورية واليمن والعراق وتونس وليبيا ومصر.. و و..غيرها). لذلك يمكننا إيجاز ما هو مطلوب اليوم والعمل على أساسه:
1 -الانتقال من العمل (المناسباتي) والخطاب (المهيّج) للشباب إلى الخطاب العقلاني الواقعي، بعيداً عن دغدغة مشاعرهم.
2 – الانتقال من (الدلال الترفيهي الموسمي)، والتعظيم بدور الشباب دون فعل، إلى تفعيل هذا الدور وتأمين العمل والحياة الكريمة وتحويل (بعض أحلامهم) إلى واقع ملموس.. وتبديد عتمة المستقبل وضبابيته.
3 -التخلّي النهائي -بعد تجربة القرن الماضي – عن الأساليب القسرية الطاردة للشباب أو المنفّرة المبنية على القلق والخوف والمحاسبة الحازمة.
4 – الانتقال من (سياسة احتكار الشباب) -كما أكدت نتائج الأزمة – إلى مرحلة (حرية الاختيار التنظيمي والتعبير والاعتقاد).
5 – قيام تحالفات يسارية سياسية وطنية ديمقراطية علمانية، والعمل على استقطاب الشباب وتثقيفه بالثقافة الوطنية التقدمية، وتعريفه على هويته الحقيقية غير المزيفة.
6 – الابتعاد عن الأساليب الأبوية والأستاذية والفوقية المصنَّعة تاريخياً والموروثة البالية المنتقلة عبر عشرات الأجيال.
7 – تأمين فرص العمل للشباب والسكن الرخيص والتعليم، وفتح المجالات أمامهم للمشاركة في بناء وطن خال من الاستغلال والاضطهاد،وبناء الدولة المؤسساتية العلمانية المدنية التعددية المزدهرة.