أبطال 2014 اقتصادياً.. الفلاح والصناعي

يغلق 2014 أبوابه على أزمات اقتصادية مفتوحة، ولن يكون آخره مسك،  ولن تكون الأمنيات للعام القادم أكثر قابلية للتحقيق، ولن نتعب ذواتنا في البحث عن نقاط قوة لاقتصادنا، فالعناوين التي يرسمها مسؤولو الملف الاقتصادي في البلاد، تبعث على عدم التفاؤل، ومنجزاتهم الوهمية تثير القنوط، وتحرك مكامن الإحباط.

ماذا يتذكر المواطنون من مآسي 2014 الاقتصادية؟ أزمات المازوت والغاز والبنزين، الارتفاع الحاد الأسعار، تراجع قيمة الليرة، زيادة الضغوط المعيشية، عدم تعافي القطاعات المنتجة، وغيرها من أزمات أثقلت كاهل الناس، وزادت من أعبائهم. بالمقابل ماذا فعلت الحكومة؟ وكيف واجه المسؤولون هذه التحديات؟ استعراض حصيلة 2014 أقرب ما تكون لجلد الذات، لامنجزات تستحق الذكر، ورغم محاولة المسؤولين زرع التفاؤل، إلا أن الوهم طغى على هذه المنجزات، كرفع أسعار المحروقات، وحالة التذبذب التي اكتنفت العمل الاقتصادي، وغياب الرؤى الحقيقية، لانطلاقة اقتصادية معقولة، تمحي آثار المعاناة الشديدة التي لحقت بالناس. ربما كان السبب الرئيس في تتالي الأزمات، هو العجز الحكومي، وحالة الترهل في العمل. ولانجانب الصواب إذا قلنا إن حالة الاحباط لدى البعض، ساهمت في إيقاف فعل شيء ما لإحداث التغيير.  رمي الكرة في ملعب الحكومة ليس تجنياً عليها، ولايدخل في باب إيجاد طرف لإلقاء اللوم عليه، وتحميله المسؤولية. وحتماً، المسؤولية الكاملة تقع على عاتق الحكومة، إذ لها الدور الأكبر في إجراء التغيير، لمواجهة الأزمات الاقتصادية – الكارثية التي لحقت بمواطنينا. كان بإمكان الحكومة فعل ثلاثة أشياء تشعر المواطن بأنها تعمل من أجله، أولها: مصارحته بواقعه الاقتصادي، وثانياً: مكاشفته في ملف المحروقات المتضخم والمنتفخ بلا حدود، وثالثها: تلبية احتياجاته بعيداً عن الشعارات. هذا الثالوث في الملف الاقتصادي، أو لنطلق عليه خارطة الطريق التي تعزز العلاقة بين المواطن والحكومة، كان مفتقداً في 2014. لم تتجرأ الحكومة على طرح هذه الملفات، ولم تمتلك القدرة على جذب المواطن إلى جانبها، لخلق تعاون ما، يسهم في تخفيف الآلام، ويساعد في تمرير القرارات الحكومية الصعبة، واقناع المواطن بأن تجرع الدواء المر ضرورة حتمية أمام واقع اقتصادي معقد، وشائك. تعاملت الحكومة، مع هذه القضايا، وكأن البلاد لا تمر بأخطر أزمة في تاريخها المعاصر، ولم نشعر بأن الحكومة تعيش حالة الحرب الطاحنة. حكومة تفكر بشراء سيارات، مقابل إيقافها للمشاريع الاستثمارية، لا يمكن تصنيفها أنها تعيش في حالة راهنة خطيرة، حتى ولو كان الأمر شراء سيارات شام. حكومة تبحث إعادة اقلاع معمل تجميع السيارات، ولا تفكر بجدية بإعادة تشغيل معمل للمواد الغذائية، أو الدوائية، لا يمكن التعاطف معها، بأنها تعيش ظروف حرب اقتصادية ظالمة. والحكومة التي تتخبط في التعاطي مع ملف المحروقات، وتتكتم على معدلات البطالة، ولاتحرك ساكناً لتحسين الدخول، ولاتوقف انزلاق طبقات اجتماعية جديدة إلى القاع، لن تحظى بالشعبية.

أحد أبرز أسباب  استمرارية اقتصادنا، إصرار قطاعي الزراعة والصناعة على العمل، هذا ليس سراً يذاع، بل هو حقيقة يحاول البعض إخفاؤها. ومع ذلك، صوت الفلاحين غير مسموع، ومطالبهم غير مستجابة، بدليل ما يطرح في المؤتمرات الفلاحية، من مطالب لتأمين مستلزمات القطاع الذي يرفد الاقتصاد الوطني بسلة غذائية تخفف العبء الهائل عن المواطن، والضغوط المتزايدة على الليرة. وبالمسطرة ذاتها يمكن القياس على الصناعة، الجناح الثاني للاقتصاد السوري، رغم أن الصناعيين أقدر من الفلاحين في مجال بلورة المطالب، والحصول عليها. مادام فلاحونا وصناعيونا يعانون الأمرَّين، لن يكون واقعنا الاقتصادي ومواطننا بخير، هذه قاعدة عمل لايمكن تجاهلها، أو القفز فوقها. أول صدمة للمنشآت الصناعية المتوقفة عن العمل، قبيل إقلاعها مجدداً، الشيخ نجار أنموذجاً، كان رفع أسعار المازوت والفيول، فتعرضت الخطوة الإيجابية التي قام بها عدد من الصناعيين لتشغيل معاملهم مجدداً، للانكسار والإحباط.

وفي هذا السياق، يمكن تصنيف أبطال الاقتصاد السوري 2014 وفقاً لمايلي:  الفلاح المتمسك بزراعة أرضه، والصناعي المصرّ على تشغيل معمله، والمواطن الذي واجه كل الأزمات بصدر أوسع من صدر الحكومة، والتاجر الذي وفّر المواد والسلع الأساسية غير المنتجة محلياً. ويمكن وضع قائمة بمن ألحقوا الضرر باقتصادنا، كالمدير الذي لم يغير بنى العمل، والمسؤول الرافض لتبسيط الإجراءات، والموظف الذي يبحث عن طرق لعرقلة قضايا الناس، والوزير الذي لم يتجرأ على المتابعة الميدانية، والتاجر الذي استغل المواطنين، وغيرهم كثر يشكلون خطراً كبيراً على اقتصادنا المتعب. لكن هل تستحق الحكومة وضعها في خانة أبطال 2014 أم في خانة من ألحقوا الضرر باقتصادنا؟ تلك هي المسألة.

العدد 1140 - 22/01/2025