تسـويق الفن..والثقـافـة

 

 فنٌّ جميل وزمنٌ جميل، يوم كان هناك من يحملون في وجدانهم حسّاً بالمسؤولية تجاه الأجيال القادمة، التي سترث أغاني خالدة، تحمل مقومات الأغنية الناجحة من كلمات وألحان وتوزيع، والأهم من ذلك أصوات مطربين، يكللون هذه الأعمال بنجاحات باقية إلى يومنا هذا. ذاك كان في الماضي.

لم تترافق القفزات التقنية في أيامنا هذه، بإخلاص تجاه الأغنية العربية، فلا يتناسب التطور العلمي، مع التطور في الفن العربي، رغم انتشار برامج الهواة الفنية، التي أخذت  على عاتقها، لواء الحفاظ على الأغنية والفن الأصيل. هذه البرامج يغلب عليها طابع الإبهار، ولهذا الغرض تُصرف ميزانيات مهولة، والبعض منها يُصوّر على طريقة تلفزيون الواقع، أدق تفاصيل حياة المشتركين، في انتهاك للخصوصية، ليُصبح كل ما لديهم معروضاً للبيع، وأخرى تستخدم أسماءً كبيرة في مجال الفن المعاصر، كحكّام لتقييم الأداء، غير ناسين استغلال البرامج على اختلاف أسمائها، للترويج للمشروبات الغازية المختلفة، أو حتى مطاعم الوجبات الجاهزة، أو ماركات السيارات والمنظفات، ومستحضرات التجميل، والملابس.. والقائمة تطول، إذ يتسمّر الناس والشباب تحديداً أمام شاشات التلفزيونات، يترقبون ظهور الشاب فلان أو الشابة فلانة، بمظهر جديد وملابس لافتة كلّ مرة، وتحدثهم عن تجارب شخصية، قد لا تكون حقيقية، فقط لاستدرار العطف، وإضافة الدراما إلى البرنامج وجذب أكبر نسبة مشاهدة.

لا يقف الأمر عند هذا، فكل تلك البرامج تعتمد على التصويت، عن طريق الجوالات لضمان نجاح المشتركين، وانتقالهم إلى المرحلة التالية، والتركيز على دور التصويت لضمان نجاح المشترك. لا ننكر أن هذه البرامج خرّجت نجوماً تألقوا فيما بعد، وخطّوا طريقهم إلى النجومية بموهبتهم، لكنّها- أي هذه البرامج- يُصرف عليها أكثر مما تتطلب صناعة النجم، والإعلانات المرافقة للتذكير بالتصويت دوماً، وتنصيب المواطن غير المتخصص حكماً لإنجاح مشترك على حساب آخر..

ما يلفت الانتباه هو العدد الكبير لهذه البرامج، فكل قناة فضائية لها برنامج وربما اثنان، وتتبارز المنتجات الاستهلاكية في الظهور الأكبر بين الفواصل الإعلانية وقت عرض البرنامج وكأن الفن صار أشبه بالسلعة، يُروّج لمفاهيم بعيدة كل البعد عن رسالة الفن، ويُعرض أمام كل فئات الناس العمرية، الذين يتسمّرون أمام الشاشات، ويعيشون مغامراتهم ويتحدثون عنهم بشغف، ناسين الهموم الجوهرية. في المقلب الآخر قُدمت برامج مسابقات ثقافية لكنها لم تكن تحظَى بمثل الاهتمام ببرامج الفن والغناء، من إعلان وميزانيات وتغطية إعلامية، وتوقيت عرض البرامج. فمثل هذه البرامج تعرض في أوقات غير مناسبة للغالبية، كآخر الليل مثلاً، فالثقافة هي المقاتل الصلب للجهل والتطرف يقف وحيداً دون مريدين، لأن تجارة الثقافة أقلُّ إيراداً من تجارة الفن والأحلام، والإعلام غافلٌ أو مُتغافل عن عزلة الثقافة مع سبق الإصرار والترصّد.

العدد 1140 - 22/01/2025