الآن يحق لعبدالله الدردري أن يبتسم

حتماً، سيكون النائب الاقتصادي السابق عبدالله الدردري، مرتاح البال الآن، وسيضحك ملء شدقيه، وينام قرير العينين، لأن كل خططه القاضية برفع سعر المحروقات، وتحريرها، التي وضعها تحت مسميات مختلفة، طبقتها بحذافيرها حكومة وائل الحلقي. هذه الحكومة تأكل الحصرم، والمواطنون يضرسون، ها هو ذا الواقع الآن، الذي لا توجد عبارات تعبر عنه، ولأول مرة تبدو اللغة عاجزة برغم ثرائها الكبير، عن نقل صورة حقيقية عن الواقع، وتوصيفه بدقة متناهية، ولن يكون ثمة إجابة عن تساؤل: ما حال المواطن بعد رفع أسعار المازوت والغاز والخبز؟

 إذاً، فعلتها الحكومة، وتجاوزت كل الخطوط الحمر التي وضعتها من تلقاء نفسها، وأصيب الشعب السوري بخيبة أمل كبيرة، ورمته حكومته بسهم أصاب منه مقتلاً، بل إنها الضربة القاضية، التي ستأتي على ما تبقى من أمل أو حلم للنهوض الحقيقي، ومواجهة شظف العيش الهائل، والتحديات التي تنوء بحملها الجبال. وتمكنت الحكومة من تنفيذ مخطط لايقل خطورة عما نادى به الدردري، إنها مطالب صندوق النقد والبنك الدوليين، وليست مطالب المواطنين السوريين كما زعم وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك حسان صفية في معرض تبريره للقرار. على المؤسستين المذكورتين، أن توجها كتاب شكر للحكومة السورية، وتعبرا عن الامتنان الشديد لها، نظراً لالتزامها الدقيق بتوجهاتهما. فما كان يستحق التفاوض، والحصول على إعانات ودعم من قبل هيئات دولية، تحقق بلا جهد، ونفذ على طبق من ذهب.    

مضت الحكومة في توجهاتها النيوليبرالية، المتوحشة، واتخذت القرارات الأسوأ شعبياً، برفع سعر المازوت إلى125 ليرة لليتر، وربطة الخبز إلى 35 ليرة بدلاً من 25 ليرة، والغاز المنزلي إلى 1500 ليرة، هذه القرارات  ستكون كفيلة بإزالة ما تبقى من مظلة الحماية الاجتماعية، منطلقة – أي الحكومة- من هاجس ضاغط عليها لتخفيف عبء كبير عن موازنة الدولة في ظل نقص الموارد. هكذا تتعامل الحكومة مع الملفات الاقتصادية التي تمس حيوات الناس، تخفف العبء عن نفسها، وتبحث عن تغطية النقص بمواردها من جيوب الفقراء. هذه سياساتها الاقتصادية والمالية غير المعلنة، التي جاهرت بها الآن، ضاربة عرض الحائط بأمنيات المواطنين وآمالهم بحياة كريمة في حدها الأدنى، قاضية على توقهم الشديد إلى اتقاء شر السؤال، وتجنب مد اليد. واللافت أن الفشل الحكومي في توفير المازوت والغاز، والتوسع الكبير للسوق السوداء وتجارة هاتين المادتين، تعالجه الحكومة بردات فعل تقضي برفع الأسعار، ولم تكلف نفسها عناء سؤال مواطن فقير، منهك، خاوي الجيوب، بلا دخل، كيف يؤمن مازوت التدفئة؟ من أين له أن يوفر ثمن 100 ليتر مازوت بسعر نظامي الآن يصل إلى  12500 ليرة؟ إذ لا تكفيه هذه الكمية مدة شهر، بينما دخله لايتجاوز ضعف هذا الرقم، أليست هذه مأساة؟

لا تتعاطى الحكومة بواقعية مع ملف المحروقات، وقطعاً النظر من البرج العاجي يشكل خطأ فادحاً، ولايرسم صورة واضحة، وهذا ما فعلته الحكومة الآن، التي استهدفت بقرارها غير المسبوق، فقراء البلاد الذين يتجاوزون 75% من عدد السكان. وأكثر من ذلك، تفكر الحكومة بتحقيق الربح من تجارتها بالمازوت، هل توجد حكومة تبيع مواطنها المازوت بأعلى من السعر العالمي؟ سيسجل التاريخ لأول مرة، أن حكومتنا غير الرشيدة، التي لم تتمكن من ضبط النفقات، أو ترشيدها، ولا معالجة ملف وقود السيارات الحكومية، ووقف الهدر، هي ذاتها الحكومة التي تبيع المواطن مازوتاً بسعر أعلى من العالمي، وبنسبة ربح تصل الى 25%، فهي بفعلتها تلك تربح أكثر من دول منتجة للنفط. ففي أفضل حالاتنا كان ميزاننا التجاري للنفط متوازناً، الآن بعد توقف إنتاج النفط، والعمل ضمن الحدود الدنيا، إنتاج نحو 15 ألف برميل يومياً، بات ميزاننا رابحاً من استيراد البنزين والمازوت. لكن هذا لا يتطلب القول: طوبى للحكومة!

مافعلته الحكومة، بقراراتها المذكورة، والشكل الذي أظهرته بها، على لسان وزير التجارة الداخلية، غير سليم اقتصادياً، ويمكن اختزاله، بأنها تعامل المواطنين المقهورين، كسكان فقط، تلك هي المسألة، بل إنها الكارثة بعينها.

العدد 1140 - 22/01/2025