فضلية من منبر جمعية العلوم الاقتصادية ينتقد سياسات المصرف المركزي المترددة
بيّن عميد كلية العلوم الإدارية في جامعة الشام الخاصة الدكتور عابد فضلية أن من أسباب ارتفاع أسعار القطع الأجنبي وانخفاض قيمة العملة الوطنية انحسار القطع الأجنبي أو قلة العرض منه، بسبب تراجع حصيلة التصدير من القطع، نتيجة تدهور إنتاج النفط، وتراجع الإنتاج والتصدير من القطن والقمح والعديد من المحاصيل الاستراتيجية الأخرى، وتقلص جميع أنواع الأنشطة الإنتاجية وانكماشها بشكل عام، إضافة إلى تراجع التحويلات الخارجية للسوريين في الخارج، وخاصة عبر الأقنية الرسمية، وعزا ذلك لقرارات المصرف المركزي بتسليم الحوالات الصغيرة بالليرة السورية، وبالسعر الرسمي، وبسبب انعدام إيرادات القطع الأجنبي من قطاع السياحة، والتقتير المقصود في عرض القطع الأجنبي لغايات التحوط والاحتكار والمضاربة في السوق السوداء، يضاف إلى ذلك التوقف شبه التام للاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، وجمود الأنشطة الاستثمارية بشكل عام، وتأثير العقوبات والحصار الاقتصادي، بما في ذلك تجميد أرصدة حكومية وغير حكومية في المصارف الخارجية، وصعوبات تحويل الأموال أو التخوف من ذلك، وأضاف إلى كل ذلك تداعيات الأزمة الأمنية على سوق القطع.
كلام فضلية جاء خلال ندوة نظمتها جمعية العلوم الاقتصادية يوم الثلاثاء (13 كانون الثاني 2015) تحت عنوان: (التغير في أسعار الصرف وأثره على التضخم ومستوى المعيشة)، وبين فيها أن من أسباب الطلب على القطع الأجنبي تهافت الفعاليات والعائلات على شراء القطع الأجنبي والتخلص من العملة الوطنية لحماية مدخراتهم ومكتنزاتهم، إضافة إلى شراء القطع لغايات المضاربة والمتاجرة، أو لتهريب الأموال أو تبييضها أو إخراجها إلى الخارج بسبب الهرب أو نقل الأنشطة الاقتصادية الاستثمارية، أو لتغطية تكاليف المعيشة في الخارج، ولتغطية الاحتياجات الشخصية، مثل السفر والطبابة والسياحة والدراسة في الخارج.
ومن أسباب الطلب أيضاً تغطية احتياجات القطع لغايات الاستيراد العادية في ظل الترشيد أو تقتير المصرف المركزي في تغطية إجازات الاستيراد، خاصة مع اعتماد القطر أكثر فأكثر في تأمين الاحتياجات المعيشية ومستلزمات الإنتاج على الاستيراد.
وأكد أنه نتيجة لذلك تراجع الاحتياطي الوطني الاستراتيجي من القطع الأجنبي لدى مصرف سورية المركزي، وانخفضت قيمة الليرة السورية مقابل الدولار إلى الربع، عندما ارتفع سعر الدولار بمعدل 4 أضعاف، من حوالي 50ل.س قبيل الأزمة لنحو 200ل.س حالياً، عدا الهزات المفتعلة والارتفاعات السريعة أو الانخفاضات المؤقتة أو الضئيلة أو البطيئة، فقد حدث هذا الارتفاع بسعر القطع، بشكل مستمر ومتواتر وزاحف، بصورة أوحت لأي مراقب أن الارتفاع هو الاتجاه العام أو الحتمي على المديين المتوسط والطويل.
وعن الأسباب التي أسهمت في التضخم وارتفاع الأسعار بنسب تفوق نسب ارتفاع أسعار الصرف، رأى فضلية أنها تعود لارتفاع تكاليف استيراد السلع الجاهزة ومستلزمات الإنتاج بسبب ارتفاع سعر الدولار وتذبذبه، وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين الخارجي، وارتفاع نسب العمولات وتكاليف تحويل الأموال، أيضاً بسبب إضافة هوامش إضافية إلى التكلفة لتغطية ارتفاع تكاليف التخليص الجمركي والشحن والنقل بين المدن والمحافظات والمناطق داخل القطر، وإضافة هامش للتكاليف الإضافية المستورة الناتجة عن الممارسات والظروف التي خلقتها الأزمة.
أما الأسباب الداخلية لارتفاع الأسعار فعزاها لتقلص الأنشطة الإنتاجية، وتراجع العرض من السلع بنسبة أكبر من نسبة تراجع الطلب، وانخفاض قيمة الليرة السورية، وانتشار ثقافة الغلاء، وضعف الرقابة، والفوضى والعشوائية في الأسعار والتسعير، وسطوة احتكار القلة، ورفع الحكومة لأسعار حوامل الطاقة، وتبعات ذلك على رفع أسعار معظم السلع والخدمات، كما ارتفعت تكاليف الحصول على حوامل الطاقة إضافة إلى ارتفاع سعرها، لعدم توفرها بالكميات اللازمة، كما أن الارتفاع الحقيقي في تكاليف الإنتاج أدى لزيادة هامش الربح في جميع الأنشطة لتغطية ارتفاع نفقات المعيشة بشكل عام، إضافة إلى الإصدار النقدي الورقي (المحتمل) للمركزي، الذي لا يقابله إنتاج سلعي فعلي، أي تفاقم الخلل في التوازنات بين الكتلتين النقدية والسلعية.
وأضاف إلى كل ذلك الخوف والمؤثرات النفسية، والآثار المباشرة للأعمال العسكرية والأمنية، والحصار والعقوبات.
كما أشار إلى تراجع مستوى المعيشة وانخفاض القدرة الشرائية للعائلة السورية، مبيناً أنَّ الأسرة السورية لم تعد قادرة على تأمين سوى ثلثي الكميات اللازمة من السلع الغذائية والضرورية دون أن يبقى من دخلها أي شيء لشراء سلع أو خدمات أخرى… وتساءل د.فضلية: كيف تتدبر الأسرة السورية أمرها؟
وبالنسبة لتفاقم مشكلة البطالة وارتفاع نسبها نبه إلى نوعية العاطلين الجدد عن العمل من ذوي الأنشطة الحرفية والمهنية، ومزيد من العمال المياومين، والعاملين في القطاع غير الرسمي، وغيرهم من الشرائح التي تغطي تكاليف معيشتها من دخلها اليومي، وأكد أنَّ معالجة الفقر تتطلب إجراءات حاسمة وفعالة، على رأسها تأمين فرص العمل، مشدداً على أن يكون ذلك على رأس أولويات الخطط الحكومية الاستراتيجية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ووصف إجراءات المركزي النقدية لدعم قيمة العملة الوطنية بالمترددة وغير الناجحة، ويتجسد هذا التردد من خلال التعديل والتغيير والتراجع في إجراءاته المتواضعة أصلاً، والتي توحي (ولو خطاً) للمواطن أو المراقب أو لقطاع الأعمال بالشك وعدم الثقــة، وتؤثر سلباً على مصداقية المركزي، وتضر بالتالي بالعملة الوطنية، مشيراً إلى عدم اتباع المركزي سياسة نقدية كلية شاملة، واختزال سياسته بإجراءات وقرارات وتعاميم متفرقة، يتخذها ببطء وتردد.
ووصف تدخل المركزي في سوق القطع الأجنبي بالغموض وعدم الاستقرار وضعف الفعالية، وقال: (حتى عندما يتخذ المركزي أحد القرارات السليمة في هذا الإطار، سرعان ما يتبين: إما عدم وجود آلية لتنفيذ مضمونها أو عدم فعالية هذه الآلية بالمستوى اللازم)، ولفت لاعتماد المركزي منذ بدايات الأزمة حتى اليوم، سياسة تعويم (غير معلنة) لسعر القطع، فقد راح منذ الأشهر الأولى للأزمة يرفع السعر الرسمي، بشكل متواتر ومستمر، الأمر الذي انعكس على مستوى الأسعار، كما أنه خلق لدى الكثيرين من المواطنين العاديين حالة من التهافت على شراء القطع، مما ألحق ضرراً إضافياً بقيمة العملة الوطنية، وكذلك الأمر فيما يتعلق بقرار المصرف المركزي بخصوص دفع جزء من التحويلات الخارجية للمغتربين السوريين بالليرة السورية حصراً، على سبيل المثال.
وأكد أنَّ شركات الصرافة وتجار السوق السوداء، كانت ومازالت لهم الكلمة الفصل في تحديد القيمة الحقيقية للقطع وفرضها في السوق، ولا للمصرف المركزي، الذي راح يرفع الأسعار الرسمية للقطع تماشياً مع السعر السائد الذي يفرضه هؤلاء في السوق السوداء، بدلاً من العكس.
واستنتج فضلية خلال الندوة أنَّ ارتفاع الأسعار في سورية ظاهرة (منفلتة) لا توجد لها غالباً مسوغات وعوامل اقتصادية و/أو موضوعية لتفسيرها، إذ لا توجد علاقة يمكن تبريرها دائماً بين الأسعار العالمية للسلع والمواد والمستوردة، ومستوى الأسعار الأعلى الذي يسود في السوق المحلية، وخاصة بالنسبة لأهم السلع الغذائية والضرورية والعلفية ومستلزمات البناء والإنتاج الزراعي النباتي والحيواني، ومعظم أنواع السلع، المحررة أسعارها، والمقيدة، على حد سواء، وقال: (إن احتكار القلة وتلاعب التجار بالأسواق من جهة، وضعف و/أو انفلات الرقابة الحكومية التي ضعف دورها في الفترة الأخيرة، لفساد و/أو لجهل البعض من القائمين عليها بحساب تكلفة الإنتاج والاستيراد من جهة أخرى، والتدني الواضح في الوعي والثقافة الاستهلاكية الحمائية للمواطن السوري من جهة ثالثة، جعلت من هذه المسألة قضية تكاد تكون مستعصية على الحل).
أما عن حماية المستهلك من قبل المجتمع الأهلي ـ حسب د. عابد ـ فهي حاضرة فقط (بجمعية حماية مستهلك شكلية ضعيفة، وبقوانين وتشريعات معطلة نسبياً)، بينما ما زالت هذه الحماية (بفعل منطق السوق) غائبة على أرض الواقع.
كما استنتتج بخصوص الإجراءات النقدية للمصرف المركزي أنَّ نظرة المركزي إلى العوامل التي تُسهم في تحديد قيمة العملة الوطنية وقوتها تتسم بأنها مجرد عوامل نقدية، ولا علاقة لها بالاقتصاد الحقيقي، لذلك تغيب عن سياساته وإجراءاته الرؤى والعوامل والمؤشرات الأخرى التي تلعب الدور الرئيس في تحديد قيمة الليرة السورية وقوتها، ألا وهي العوامل المالية والطاقات الإنتاجية وحجم التبادلات السلعية والخدمية، وبالتالي تغيب عن إجراءاته ومعالجاته أية رؤى اقتصادية ذات صلة بمسألة دعم الأنشطة الإنتاجية السلعية، أي يغيب عن المصرف المركزي ما ورد في قانون النقد الأساسي الصادر بالمرسوم 21 لعام 2011 الذي يُعد دستور عمله، والذي ينص بأن من أهم واجباته الحفاظ على استقرار قيمة الليرة السورية مقابل العملات الرئيسية، والحفاظ كذلك (وبالتالي) على استقرار أسعار السلع والخدمات كهدف نهائي، ودعم السياسات الاقتصادية على المستوى الكلي بتعزيز النمو الاقتصادي والتشغيل!
وقدم د. عابد فضلية في ختام بحثه عدداً من المقترحات، منها:
1-إصلاح السياستين النقدية والمالية وإيجاد حد أدنى من التوافق بينهما، وتطوير دور مصرف سورية المركزي ليشمل الرؤى الاقتصادية إضافةً إلى الرؤى النقدية البحتة، وتعديل آليات تدخله في سوق القطع.
2-تعميق دور الدولة في الأنشطة الاقتصادية، كماً ونوعاً، وتفعيل تدور مؤسسات التدخل الإيجابي لتأمين السلع الاستهلاكية.
3-تفعيل دور الجهات المختصة في الرقابة على السوق، واتخاذ ما يلزم لضبط أنشطة احتكارات القلة، مع ضرورة تعديل قانون تشجيع المنافسة ومنع الاحتكار، وإزالة العوائق أمام المنافسة.
4-تفعيل الأنشطة الإنتاجية ودعم المنتجين، خاصةً أنشطة الإنتاج السلعي (الحقيقي). فإذا كانت القدرة على لجم الكتلة النقدية محدودة وصعبة إن لم تكن مستحيلة (خلال فترة الأزمة)، فلماذا لا يتم التركيز على زيادة الكتلة السلعية (بالتنشيط في المناطق الآمنة على الأقل)، لتقليص الهوة بين الكتلتين، فيخف الطلب والضغط على القطع الأجنبي لغايات الاستيراد، وتتحسن قيمة العملة الوطنية.
5-دعم التصدير وترشيد الاستيراد (بالمستوى الذي يؤمن الاحتياجات الضرورية ومستلزمات الإنتاج المحلي).
6- تقديم دعم ائتماني تشغيلي قصير الأجل للمنتجين في مناطق الإنتاج الآمنة.
7-اتخاذ إجراءات رادعة من قبل المركزي والحكومة لردع المضاربين بسعر الصرف في السوق السوداء.
8- وضع سياسة نقدية كلية (مرتبطة بالسياسات الكلية المالية والاقتصادية والاجتماعية الأخرى)، تكون واضحة، شاملة، متكاملة، منسجمة ومتماسكة (قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد)، والتزامه بأحكام قانون النقد الأساسي الصادر بالمرسوم 21 لعام ،2011 المتعلقة بواجباته في الحفاظ على استقرار أسعار السلع والخدمات ودعم السياسات الاقتصادية على المستوى الكلي بتعزيز النمو الاقتصادي والتشغيل.
القلاع: 96% من المواطنين غير قادرين على مواجهة أعباء الحياة اليومية
في النقاش الذي تلا البحث أكد نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العلوم الاقتصادية غسان القلاع ضرورة وجود سياسات واضحة في كل المناحي، مبيناً أن التجار جهدوا في تأمين السلع إلى الأسواق، ومسألة ارتفاع الأسعار ليست بسببهم بل نتيجة ارتفاع سعر الصرف الذي انعكس على أصحاب الدخل المحدود، مشيراً لوجود بعض التجار الجشعين والمتلاعبين، لافتاً إلى ارتفاع تكاليف نقل البضائع من المرافئ إلى المحافظات إضافة إلى تكاليف حجز الأرضية في الموانئ.
وشدد على ضرورة قيام وزارة الاقتصاد بوضع سلم لأولويات المستوردات بالتوازي مع قيام المركزي بوضع سلم لتمويل هذه المستوردات، ودعا لإعادة النظر بمجلس النقد.
وأشار القلاع إلى أن الكتلة النقدية في مصرف سورية المركزي قد تبدلت عدة مرات منذ حكومة الدكتور عادل سفر، منبهاً أن ذلك ليس بسبب تمويل المستوردات فقط وإنما لوجود مصاريف يجب أن تدفع ولم يكن من مصدر بديل لدفعها إلا خزينة المركزي. لافتاً إلى أن نسبة 96% من المواطنين قد انخفضت قدرتهم الشرائية إلى الحضيض، وباتوا غير قادرين على مواجهة أعباء الحياة اليومية.
العمادي: إلغاء تعهد إعادة القطع استنزف جزءاً من الاحتياطي النقدي
من جهته نبّه الوزير الأسبق الدكتور محمد العمادي أن وزارة الاقتصاد في الماضي لم تسمتع لتوجيهات المؤسسات الدولية، وانتقد السياسات التي اتبعها المصرف المركزي في السنوات الأخيرة، كما انتقد قرار إلغاء التعهد بإعادة القطع لأنه سمح باستنزاف جزء من الاحتياطي النقدي.
وشدد العمادي على عدم تمويل مستوردات القطاع الخاص، بل عليه أن يقوم هو بذلك من حصيلة الاستيراد والتصدير.
قرفول: المركزي يقوم بمهام أكبر من إمكاناته
نائب حاكم مصرف سورية المركزي الدكتور حازم قرفول عزا الأزمة إلى السياسات السابقة والتعجل بانتهاج السياسات التحريرية قبل الأزمة، وتساءل: هل اقتصاد السوق الاجتماعي كان متناسباً مع قدرات الاقتصاد الوطني ومع البيئة المحيطة بنا؟ بما فيها إجراءات مصرف سورية المركزي؟ وقال: (لم يكن أحد في بداية الأزمة مطلعاً على ما يحاك ويخطط ولا إلى أين ستذهب الأزمة).
ولفت قرفول إلى اتخاذ عدة إجراءات كانت سليمة في حينها، لكن تم العدول والانحراف عنها، منتقداً قيام كل جهة حكومية باتخاذ إجراء مؤقت للمساعدة على ضمان استمرارية العمل اليومي، وهي إجراءات قصيرة المدى غير منسقة ساهمت في تثاقل العمل الحكومي وأوصلتنا إلى الأزمة المركبة، وأضاف: (نحاول من خلال الأدوات الاقتصادية ترميم الثغرات المتولدة نتيجة أخطاء سابقة تفاقمت بفعل سياسات خاطئة آنية)، وشدد على التقييم المستمر لمعالجة الانحرافات الحاصلة.
وبين أن إجراءات المركزي ترتبط بقيام الجهات الأخرى بدورها، معتبراً وجود بعض المهام أكبر من إمكانات المركزي، مشيراً إلى أن المركزي بحكم القانون يعتبر مستشاراً مالياً للحكومة وقد تعامل في مراحل معينة بمبدأ ردّ الفعل مع سعر صرف القطع الأجنبي، مبيناً أن هدف المركزي يجب أن يكون استقرار سعر الصرف وليس قيمة العملة لأن التذبذب أسوأ من الارتفاع، وهو يساعد بيئة الأعمال على اتخاذ القرار، فالتردد باتخاذ القرار والعدول عن بعض القرارات يعكس الخلل الموجود، وتساءل: هل ساهمت الإجراءات بكبح جماح تدهور بعض المؤشرات، أم كان بالإمكان أفضل مما كان؟
غرير: نحتاج لحلول ابتكارية وسياسات نقدية ومالية جديدة
ورأى رئيس قسم الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور موسى غرير أن معظم القرارات التي تم اتخاذها سواء على صعيد الاقتصاد الكلي أو الجزئي ليس لها علاقة بالاقتصاد، وفاقمت من الخلل الموجود أصلاً بين الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد المالي والنقدي، وأكد أنه بالقرارات الإدارية وضمن هذه السياسات ليس بالإمكان تثبيت سعر الصرف مهما كانت القدرات، ومهما كانت قوة التدخل شديدة والعقوبات صارمة.
وقال: (نعيش الآن قضية الركود التضخمي، إذ يوجد ركود وتضخم، وإن كان الركود بحاجة لسياسة توسعية وزيادة الكتلة النقدية، فإن معالجة التضخم بحاجة لسياسة انكماشية، وهو ما يتطلب حلولاً دون مفاقمة الأوضاع).
وقدم مثالاً يساعد في ذلك، ويأخذ في عين الاعتبار نسب الأغنياء والفقراء في المجتمع، بأن يقوم الأغنياء بتوظيف 5% من أموالهم في المصارف مقابل فائدة رمزية، على أن تعطى هذه الأموال قروضاً للمحتاجين، وعندئذ نكون قد حققنا الهدفين: السياستين الانكماشية والتوسعية دون الحاجة إلى الاستدانة من الخارج.
وشدد على أن الأزمات تحتاج إلى ابتكار حلول جديدة والبحث عن الأساليب والسياسات المالية والنقدية التي تمكننا من تلافي الخلل الموجود والخروج منه.
اللحام: الحكومة تستفيد من ارتفاع سعر الصرف
أما الباحث الاقتصادي فؤاد اللحام فرأى أن ظروف الأزمة الداخلية والخارجية أثرت في البداية بسعر الصرف، مشيراً إلى وجود نوع من الرضا والقبول الحكومي بارتفاع سعر الصرف اليوم، وعزا ذلك لكون الإنفاق الجاري هو الهاجس الوحيد حالياً كدفع الرواتب والأجور، وقال (قد يكون من مصلحة الحكومة الحفاظ على ارتفاع سعر الصرف حتى تغطي جزءاً من النفقات).
المنيّر: لن تقوم قائمة للاقتصاد السوري إذا استمرت الأزمة
الباحث الاقتصادي بشار المنيّر تساءل بدوره عن إمكانية معالجة وضع اقتصادي بسياسة نقدية، وهل المعالجة النقدية كافية لإنهاض الاقتصاد السوري؟، وقال: (دُمرت قطاعات منتجة بأكملها، وانخفضت مساهمة الزراعة بالتاتج المحلي من 24% لنحو 3%، ففي هذا الوضع هل من المعقول أن تكون السياسات النقدية لتثبيت الليرة وحدها هي الحل لأزمة الاقتصاد السوري)؟ مؤكداً أن إنهاض الاقتصاد الوطني يتطلب حزمة من الإجراءات، منها المعالجة النقدية لتراجع سعر الليرة، ففي ظل غياب القطاعات المنتجة التي تعمل على استقرار سعر القطع والليرة السورية ستكون مساهمة البنك المركزي قاصرة وذات أثر محدود.
وفيما يتعلق بالتدخل النقدي للمركزي في سوق القطع منذ بداية الأزمة، تساءل هل يعرف المركزي أين تذهب هذه الأموال؟ لأن من يشتري القطع يقوم ببيعه في السوق السوداء فيما بعد.
ورأى أن المخرج هو بإنهاء حالة الحرب والمضي في الحل السياسي إلى النهاية، لأنه لن تقوم قائمة للاقتصاد السوري ولسورية وشعبها إذا استمرت الأزمة على هذا المنوال.