مدينة القدموس.. في دائرة «النور»..!

ضمن خطة عمل مكتب جريدة (النور) بطرطوس، كانت جولتنا خلال الأسبوع الأخير من شهر نيسان إلى بلدة القدموس، فقد وجدنا العديد من القضايا التي تحتاج إلى حلول مركزية، فتفضلوا معنا إلى القدموس.

مزارعو التبغ

بداية جولتنا كانت مع بعض الإخوة من مزارعي التبغ، وهذه الزراعة تنتشر في القدموس وتؤمن دخلاً للسكان هناك، لكنها تحتاج إلى بعض الدعم من قبل المعنيين بهذه الزراعة، وقد كانت وقفتنا الطويلة في منزل السيد عدنان علي الذي حدثنا عن الجهد الكبير الذي يبذله الفلاح قبل الزراعة وأثناء عمليات نقل الشتول من المشاتل إلى الأرض المخصصة. فالأرض تحتاج إلى الحراثة لأربع مرات متتالية، طبعاً هذا لا تحتاج إليه بقية الأنواع من المزروعات، وكلنا نعلم ما تعنيه حراثة الأرض لأربع مرات متتالية، وخصوصاً بعد أن تضاعف سعر المحروقات مرات عديدة، فأصبحت أجرة ساعة الحراثة بواسطة العزّاقة 1200 ليرة، في حين أصبحت يوميّة الفلاح الذي يقوم بالحراثة بواسطة المحراث القديم تتراوح بين 1500 و2000 ليرة. يتابع السيد عدنان حديثه: تؤمّن لنا الريجي البذار بشكل مجاني كما تؤمن لنا بعض الأنواع من الأدوية والأسمدة ولكنها مرتفعة الثمن، كما أن نقص بعض أنواع هذه المبيدات في القطاع العام أو انقطاعها بسبب الظروف يجبرنا على التعامل مع صيدليات القطاع الخاص، والجميع يعلم ما يترتب على ذلك من مبالغ زائدة نتيجة التلاعب بالأسعار وعدم وجود ضوابط، فضلاً عن أننا لا نعلم صلاحية المبيد ومصدره.. فمثلاً هذا العام وصل سعر ليتر الرودوميل إلى 7000 ليرة، وهو مبيد فطري هام نحتاجه أسبوعياً بسبب الطقس الرطب.. وهنا أشير إلى أن الريجي هذا العام قدّمت لنا سماداً مركّباً بوزن 25 كيلو وصل سعره إلى 6000 ليرة سورية، كما قدّمت لنا بعض المعقمات للتربة، لأننا عانينا في السنوات السابقة من مرض الشتول قبل نقلها وهي في المشاتل.

يضيف أبو مروان: من الضروري التقيّد بالدور وعدم التلاعب في المواعيد أثناء عمليات الاستلام، لأن هذا يؤثر سلباً على نوعية التبغ نتيجة العوامل الجوية، لأن التبغ حسّاس جداً، وقد كنّا لسنوات مضت نعاني من عمليات الفساد والرشا لدى القليل من ضعاف النفوس أثناء عمليات الاستلام، ولكن تم ضبط تلك الحالات والقضاء عليها بشكل شبه نهائي، ونتمنى أن نتخلّص منها بشكل نهائي.

أما بالنسبة للأسعار فالدولة هي التي تسعّر الأصناف، والعام الماضي بعنا صنف الإكسترا بمبلغ (245 ليرة!!.) والصنف الأول بنحو 200 ليرة، وهكذا في حين بيع للقطاع الخاص بمبلغ 1000 ليرة تقريباً. وهذا الفارق بين السعرين هو الذي يجبر الفلاح على بيع جزء من محصوله للقطاع الخاص. كان هناك في السنوات السابقة تلاعب أثناء عمليات التصنيف من قبل بعض الخبراء فإن لم تدفع للخبير القائم على عملية التصنيف فإنك لن تحصل على حقك ولن ينال محصولك الدرجة التي يستحقها!

يختم السيد أبو مروان حديثه بالقول: إنّ تهرّب بعض المزارعين من التصريح بالكمية التي يسلمها للدولة كما كان معمولاً به سابقاً يعود إلى الفارق الكبير بين السعر الذي تدفعه الدولة والذي يدفعه القطاع الخاص، وهذا ما يدعو البعض لبيع قسم من محصولهم للقطاع الخاص كي يعوّضوا بعض النفقات. أتمنى أن تهتم المؤسسة بحال الفلاح أكثر وتقدم له ما يحتاجه هذا المحصول الاستراتيجي كي تحافظ على استمرارها أيضاً، وأن يكون هناك تسعير لإنتاجنا يتناسب وما ندفعه من مال وجهد.

أعذار بحجم الذنب

ما أثار انتباهنا واستغرابنا هو الواقع الخدمي في البلدة، فالقمامة تتوضّع بشكل يدعو إلى التقزز في كل مكان، والأرصفة تأكلها الأعشاب والحفر والجور في بعض الطرقات وبرك المياه تصلح أن تكون أماكن لتربية الأسماك والمخالفات في الأبنية كثيرة، وغيرها وغيرها.

قصدنا مكتب البلدية والتقينا رئيس البلدية، فوجدنا الأعذار جاهزة لديه تماماً كما هو الحال لدى معظم المعنيين الذين ما إن تفتح فمك بكلمة لتسلط الضوء على تقصيرهم، حتى يبادروا إلى الحديث عن الأزمة وعقابيل الأزمة! رئيس البلدية قرّر أن يسحب حاويات القمامة، لا لشيء إلا لأن المواطن في القدموس لا يستحق هذه الحاويات، إذ يقوم بإفراغ القمامة من السطل في الحاوية وهكذا يصعب على العامل رفعها إلى سيارة القمامة، علماً أننا وجدنا في أماكن تجميع القمامة داخل البلدة أكياساً سوداً مربوطة بشكل جيد ولم نلحظ ما تحدث عنه السيد رئيس البلدية. وفي معرض رده عن واقع الأرصفة تحدث عن عدم الإمكانية إلاّ للصيانة، ووعد أن يقوم بها هذا الصيف، علماً أن واقع الأرصفة منذ سنوات على هذه الحالة. وأما فيما يتعلق ببرك المياه فبرّر ذلك بقيام بعض المتعهدين بإنشاء محاضر وأبنية كانت السبب في بعض هذه البرك، وكأنه لا يوجد أي نظام عمل يضبط الواقع والتعامل بين هؤلاء والطريق الذي هو ملك لكل من يعبره. في زيارتنا إلى قرية السعدانة وجدنا ما لا يبشر بالخير، إن استمر العمل على هذه الشاكلة، فالطريق إلى القرية المذكورة قد تم تعبيده بشكل يدعو للضحك والاستغراب، فهو معبد في بعض الأماكن ومازال ترابياً في بعضها الآخر، وأشرطة الهاتف معرّضة للأمطار والتلف والجور الفنية يتسرب منها الماء الآسن على الطريق وعلى الأراضي الزراعية وغيرها وغيرها، فأين المعنيون في مجلس بلدية القدموس ومكتب الخدمات الفنية والهاتف من كل هذا الإهمال؟!

معضلة المنطقة الصناعية

قصّة المنطقة الصناعية في القدموس هي من القصص الطريفة التي تصلح لمسلسل مكسيكي طويل، فمن تسعينيات القرن الماضي تم تحديد منطقة صناعية على أرضنا (كما تقول الشكوى التي وصلت إلى مكتب الجريدة نسخة منها) وحتى تاريخه لم يتم البت في هذا الملف، وبقيت الأرض رهن إشارة مجلس المدينة، فلا يستطيع أصحاب هذه الأرض التصرف بها (بناء أو بيع) بلا مسوّغ قانوني، وفي كل مرة يسأل أصحاب الأرض عن الملف، يكون الجواب غامضاً ومبهماً وغير مقنع، وكأن هناك من يعرقل الملف في البلدية لأسباب غير مقنعة أو لمصالح شخصية.. وقد تقدم أصحاب الأراضي بأكثر من مذكرة للسيد محافظ طرطوس السابق ووعد بحل الملف في حال توفر أرض بديلة، وتوفرت أرض بديلة من أملاك الدولة بجانب المخبز الآلي، إلا أن الملف ما زال يخضع للعرقلة من جديد.

رئيس بلدية القدموس حدثنا عن الموضوع بالقول: تتلخص المشكلة بأنه بناء على محضر الاجتماع المنعقد بالمحافظة لدراسة واقع المناطق الصناعية والحرفية في الوحدات الإدارية تم تشكيل لجنة تضم ممثلين من التخطيط الإقليمي والزراعة والعقارية للكشف على واقع المناطق الحرفية الملحوظة على التنظيم في كل الوحدات الإدارية ومنها مدينة القدموس، ووضعت اللجنة محضرها رقم 1003/10/11/ص بتاريخ 2 تموز 2014 والمتضمن أن مساحة المنطقة الحرفية الملحوظة على المخطط التنظيمي لمدينة القدموس 30 دونماً، وهي أملاك خاصة غير مستملكة حتى تاريخه ومجاورة للسكن، كما أن الطريق الواصل إليها ضيّق ويحتاج إلى توسيع وتعديل مساره، وهذا يتطلب استملاك عدة منازل، وقد اقترح المجلس نقل موقع المنطقة الحرفية بعيداً عن مركز المدينة إلى موقع بديل (أملاك عامة) على العقار  2024 بأطراف المدينة ومخدّم بشكل جيد ولا يحتاج إلى استملاكات، ولكن هناك اعتراض من قبل البعض ممّن اغتصبوا قسماً من أملاك الدولة دون أي وجه حق، وعُرض الموضوع على اللجنة الإقليمية للحصول على موافقتها، ولم يتخذ القرار حتى يتم الحصول على موافقة الزراعة، ولم تعط الزراعة موافقتها بسبب الاعتراض من قبل من يدّعون الملكية في المنطقة المذكورة. علماً أن موقع المنطقة الصناعية الأولى ذو إطلالة جميلة على مدينة القدموس وهي من أجمل المواقع ضمن المدينة وذات تضاريس جغرافية متدرجة وبميول كبيرة. وعند سؤالنا له عن المعرقل للموضوع قال بأنه يوجد اعتراض لدى القاضي العقاري في القدموس، وهو صاحب قرار البت في هذه المشكلة، إضافة إلى الزراعة واللجنة الإقليمية.

نضم صوتنا إلى صوت الأهالي الذين يأملون من القاضي العقاري في القدموس ومن مديرية المصالح العقارية بطرطوس ومن اللجنة الإقليمية ومن المعنيين في محافظة طرطوس السرعة في حسم القضية.. فهل ستشهد هذه القضية نهاية سريعة تسمح لأصحاب الأرض التصرّف بأملاكهم ولمن اغتصب الأملاك العامة التراجع عن اعتراضه؟!

طبعاً بقي أن نشير إلى زيارتنا للمخبز الآلي في القدموس، حيث وجدنا النوعية الجيدة للرغيف والوزن الجيد، إضافة إلى ما سمعناه من المتعاملين مع المصرف الزراعي بالقدموس عن حسن التعامل والتسهيلات التي يقدمها المصرف للإخوة المواطنين.

أخيراً.. الوطن والمواطن أمانة في رقابنا جميعاً، فهل سيتلمّس البعض الأسباب الخفيّة للمشاكل والمنغصات التي يعانيها المواطن ويبادروا إلى حلّها وتذليلها؟

 

 

سُمّيت القدموس بهذا الاسم نسبة إلى الإله الفينيقي قدموس، وتقول الأسطورة السورية القديمة (إن قدموس ركب البحر وراح يبحث عن أخته أوربا التي اختطفها زيوس.

تبعد عن مدينة بانياس 30 كيلو متراً شرقاً، و70 كيلو متراً عن مدينة طرطوس باتجاه الشمال الشرقي، وترتفع عن سطح البحر نحو 1000 متر.

العدد 1140 - 22/01/2025