أكتب لنفسي وكل مهمة إبداعية هي مغامرة باولو كويلو يكتب عن تجربته الأدبية كاشفاً سر النجاح
يكشف صاحب (الخيميائي)، الكاتب البرازيلي الشهير (باولو كويلو)، في كتابه (اعترافات الحاج باولو كويلو) حوار خوان إيرياس، وترجمة خضير اللامي، كيف وقع في العام 1968 في حب ماركس، وإنجلز، وتشي جيفارا، وكيف ساهم في كل الحركات التقدمية وكان جزءاً من جيل (السلام والحب). ثم كيف بدأ يمر بمرحلة الإيمان منطلقاً إثرها للبحث عن خبرات روحانية جديدة، مرتحلاً في كل أرجاء أمريكا اللاتينية.
مؤخراً، كتب باولو شهادة خصها عن تجربته الأدبية، جاء فيها: لا تدور كتبي حول الموضوع نفسه .. ودائماً أرى كل مهمة إبداعية مغامرة .. مؤلمة وفاتنة إذ هناك خوف من اكتشاف أشباحنا الخاصة.
ويضيف صاحب (إحدى عشرة دقيقة): يشكل عنوان هذه المقالة (لماذا يكلل باولو كويلو بالنجاح؟)، السؤال الذي يطرحه عليّ الصحافيون غالباً، في مختلف أرجاء العالم. ولكن إذا كان القارئ يتصور أن بمقدوري أن أجيب عنه، فمن الأفضل له أن يتوقف عن القراءة الآن، ذلك لأن العملية الإبداعية عندي تتناقض مع كل شيء يعرف تقليدياً بـ(وصفة النجاح).
في المقام الأول لا تدور كتبي جميعها حول الموضوع نفسه، وعلى سبيل المثال فإن كتابيّ اللذين يحملان العنوانين: (مذكرات موغس) و(فالغيري)، يتناولان على نحو مباشر الروحانيات، بينما كتاباي: (الخيميائي) و(فيرونيكا تقرر أن تموت) لا يطرقان الموضوع ذاته، حتى من بعيد. كذلك تختلف الفترات التي تتخذ أحداث كل كتاب منها مسرحاً، ف (الجبل الخامس) يتوسد مسرحاً لأحداثه، الفترة التي سبقت ميلاد المسيح بقرون قليلة. بينما تقع أحداث (على ضفاف نهر بيدرا جلست وبكيت) في الوقت الراهن. في حين أن (الخيميائي) و(الشيطان والآنسة بريم) لا يشيران إلى أي زمن محدد.
ويقول بعض الناس إن الأمر كله متعلق بالتسويق. حسناً لقد حقق كتاباي الأولان: (مذكرات موغس) و(الخيميائي)، مبيعات تزيد على ربع مليون نسخة، قبل أن يطلق الناشر إعلانه الأول عنهما. والشيء نفسه حدث في الخارج. فالناشرون الأجانب أبدوا استعدادهم للاستثمار في نشر أعمال كاتب برازيلي مجهول، عندما رأوا ما يحدث في البرازيل فحسب، وحتى في ذلك الوقت، جادلوا دون ما اقتناع يذكر بأن: (ما يحدث في بلد لن يحدث بالضرورة في بلد آخر).
وهكذا فإنه إذا كانت هناك تنويعات في الموضوع، وفي مسرح الأحداث، وإذا لم يكن هناك تسويق في تلك الفترة المبكرة المهمة عندما صدرت كتبي، من دون أن يعلن عنها بالمرة، فأين يكمن السر؟
الأدب جلاب السعادة..
ليس هناك سر، وإنما هناك ثلاثة عوامل هي في اعتقادي، تجعل الكون يتآمر دوماً لصالح شخص يحاول أن يحقق أحلامه: ا
لعامل الأول: لا بد أن تؤمن تماماً بما تقوم به، فمنذ اللحظة التي قررت فيها أن أكسب عيشي كلية من الأدب، تخليت عن جميع أعمالي الأخرى، فتوقفت عن العمل كاتباً للأغاني، أو كاتباً للسيناريوهات التلفزيونية وصحافياً. وصممت على أن أكرس كل طاقاتي لما يجلب إليّ أعظم قدر من السعادة، وشأن معظم الناس، لديّ عائلة يتعين أن أقيم أودها، ولكن عائلتي وقفت إلى جواري، ذلك أن الحب هو على الدوام أعظم قوة تقف وراء كل مبادرة.
العامل الثاني: لا يمكنك أن تحقق الحلم وحدك، لذلك يتعين عليك العثور على بعض الحلفاء، وقد كان حلفائي هم من قرائي الذين نجحوا، بالكلمة المتداولة من شخص إلى آخر، في توسيع نطاق عمل مؤلف مجهول. فإذا أحب شخص كتاباً فإنه سيوصي صديقاً أو حبيباً أو حتى طفلاً، بأن يقرأه. وهذا الدعم الأولي من القراء يحمي المؤلف كذلك من الهجمات المحتملة من جانب الصحافة. فالقراء بعد أن يكتشفوا بأنفسهم أعمال كاتب ما، ومن ثم يحكمون عليه بأنه مؤلف جيد، يقومون بتوصية الآخرين بقراءة أعماله. فإنهم عندما يصادفون بعض النقد السلبي، يتذكرون حكمهم الخاص، ولن يسمحوا لأنفسهم بأن يتم التلاعب برأيهم.
العامل الثالث والأخير: يتعين عليك العثور على طريقة لتقاسم حلمك. وفي عالم الأدب يدعى هذا: الأسلوب. وقد أردت الحديث عن موضوعات قديمة، ولكن باستخدام لغة حديثة. وقد كانت مسوَّداتي الأصلية تبلغ على وجه التقريب ثلاثة أمثال طول الكتاب النهائي، ولكنني أجبرت نفسي على الإيمان بقدرة القارئ على استخدام خياله لرسم معالم ساحة الأحداث، وركزت بدلاً من ذلك على التفاعلات بين الشخصيات. وبرهنت التجربة على أنني كنت مصيباً.
لا لخيانة القارئ!
لا بد للمؤلف من خوض غمار المخاطر، وهو لا يمكن أن يصبح عبداً لمادته على أمل أن يرضي قراءه. وينبغي أن يكون أميناً في ما يكتب، وأميناً بصورة مطلقة مع نفسه، لأن القارئ سيعرف عندما يقرأ رواية ألفت لمجرد إرضاء (قوى السوق)، وسيشعر بأنه تعرض للخيانة. ولا يحتمل أن يكون بمقدوري أن أعرف ما الذي سيفكر به ملايين القراء على امتداد العالم في ثقافات مختلفة حول ما يقرؤونه، وبالتالي فإنني أكتب للشخص الوحيد الذي أعرفه بشكل معقول، وهو نفسي.
عندما أبدأ في تأليف كتاب، يتعين علي أن أخوض معركة بين الشخص الماثل في إهابي، وبين ذلك الجزء من نفسي الذي أود تحسينه، وكل مهمة إبداعية هي مغامرة تعدُّ في الوقت نفسه مؤلمة وفاتنة، فهناك من ناحية خوف من اكتشاف أشباحنا الخاصة، وهناك من ناحية أخرى الإثارة النابعة من معرفة أننا أكثر اهتماماً مما كنا نعتقد. ولكي نغوص في أرواحنا، فإننا بحاجة إلى عملية إبداعية محددة بشكل جلي، وهذا ما سنتحدث عنه لاحقاً.
جدير بالذكر أن باولو كويلو ولد في العاصمة البرازيلية (ريو دي جينيرو) عام 1947. وقد اختطفته وعذبته إحدى الميليشيات أثناء الحكم العسكري الديكتاتوري في البرازيل، الذي استمر من (1964 إلى 1985). إلا أنه تمكن من النجاة بمعجزة، وبدأ بعد ذلك حياته الطبيعية، إذ عمل في العديد من شركات التسجيلات، ثم انتقل إلى إنجلترا وعمل مراسلاً لعدد من المجلات البرازيلية، وقادته تجربة الحج إلى (سنتياغو) إلى نشر أول نصوصه الأدبية (الحج)، ثم توالت كتبه الأخرى بداية من (الخيميائي) إلى روايته الحديثة (ألف)، وقد صارت العوالم الروحانية المليئة بالسحر والغموض هي السمة الغالبة على أعمال باولو الروائية التي تُصنّف تحت خانة الكتب الفلسفية والميتافيزيقية. كما تلعب الإشارات دوراً مهماّ في رواياته، خصوصاً أنّ كويلو على الصعيد الشخصي يؤمن كثيراً بنُظم الإشارات وتأثيرها على مسار حياة الفرد، وهو الذي يقول: إنّ (الإشارات هي أبجدية يُطوّرها المرء للتخاطب مع روح العالم). ولعل هذا ما جعله واحداً من أكثر عشرة مؤلفين مبيعاً للكتب في العالم، فقد باعت رواياته أكثر من 85 مليون نسخة بلغات العالم المختلفة.