ليكن يوماً لمناهضة العنف ضد الإنسـان

 تتنوَّع أشكال العنف المسلَّط على المرأة تنوعاً كبيراً، ولم يعد العنف الجسدي هو الشَّكل الوحيد، بل هناك العنف النَّفسي المتمثِّل بعدَّة أوجه، منها الضَّغط غير المباشر أو الإكراه، وأيضاً التَّمييز على أساس الجنس أو اللَّون، … الخ.

يستخدم الرَّجل العنف الجسدي لقناعته بامتلاك القوَّة العضلية التي تمكِّنه من التَّفوق على المرأة، واعتبارها كائناً ضعيفاً لا يمتلك هذه القوَّة، إلاّ أن الواقع أثبت عكس ذلك، فالمرأة التي تقوم بأعمالٍ تتطلَّب القوَّة العضلية هي المرأة ذاتها التي ترفض استخدام تلك القوَّة في العراك مع الرَّجل، ليس فقط لأنها جنسٌ لطيفٌ، بل لأنها تربّت منذ الصغر على مفاهيم أقنعتها بسخافة هذا السلوك، إضافةً إلى أن قسماً كبيراً من النِّساء يرفضن استخدام طاقاتهن تلك لاعترافهن بالعقل وقدرته على المحاكمة، وأنه كفيل بحل أكبر المشاكل بينما يمنع العنف أيُّ حل. أما الأنواع الأخرى من العنف فيجري استخدامها نظراً للتَّربية المجتمعية التي تمنع المرأة عن كل ما تبيحه للرَّجل.

إلا أن بعض الشَّباب والرِّجال يتعاملون مع المرأة باعتبارها كائناً مساوياً لهم في الحقوق والواجبات، لأنها بمختلف صفاتها وباختلاف شكل العلاقة بها لها كيانها المُحترم.

هؤلاء الرِّجال -برأيي – يتوزَّعون على عدَّة مستويات، فمنهم من يتعامل مع المرأة من مبدأ ضعفها، ويرى معيباً بحقِّه استخدام العنف مع الضُّعفاء لا سيما القوة العضلية، على مبدأ المثل الشعبي: (مو عيب عليك تتقاوى على مرة؟). ومنهم من يتعامل باحترام مع المرأة ليبرز تميُّزه عن محيطه وأقرانه، فيظهر بمظهر الإنسان الحضاري لتتناول الألسن تصرُّفاته فيحقِّق وجوده في أوساطٍ معيَّنة، في حين أنَّه غير ممتلكٍ القناعة الكاملة لما يفعله، لذا نراه يتراجع ويعود لاستخدام التَّعنيف في أوَّل فرصة أو موقف يضطرانه لذلك. أما القسم الآخر فهو المقتنع كليَّاً باحترامه للمرأة وكيانها، ويمتلك القدرة على تحويل النَّظري إلى واقعٍ عمليّ، هذا النَّموذج عرضةٌ لتحدِّياتٍ جمَّةً وعلى مختلف المستويات، فهو بنظر المجتمع قد تخلَّى عن مكانته التَّاريخية(ذكوريته) فيُنعَتُ بصفاتٍ تؤذي كرامته وشخصه، ولربما يتطوَّر الأمر للإفصاح بشكل علني عن رفضه لهذا النَّموذج وسخريته منه، ولنتمعَّن من جانبٍ آخر صورته بنظر المرأة ذاتها التي يتعامل معها بمفاهيمه، إذ إن بعض النِّساء، ونظراً للتَّربية المجتمعية، لا يحترمنه ولا يعترفن بكل تصرُّفاته، لأنهن لم يمتلكن الوعي الكامل بذواتهن، ولذلك فهنَّ غير قادراتٍ على فهمه، وينظرن إليه على أنَّه فاقدٌ للرُّجولة فيجرحنه وينعتنه بذلك إما علناً أو سرَّاً، فتحمل المرأة هنا الضِّدين معاً، فهي المعنِّفة والمعنَّفة معاً، تمارس العنف على الرَّجل وعلى ذاتها معاً.

لست بصدد المقارنة بين شدَّة العنف الواقع على الرجل في تلك الحالات، وما يمارس على المرأة تاريخياً وفي كل المجتمعات حتى المتحضّرة منها، إنما ما أريد قوله أن العنف بكل أشكاله ومن أيٍّ كان مرفوضٌ أساساً، لأنه تعبيرٌ عن عدم الاعتراف بالآخر ورفضه كلِّياً،

فلندعُ جميعاً أن يكون الخامس والعشرون من تشرين الثاني يوماً عالمياً لمناهضة العنف بكلِّ أشكاله، من أيٍّ كان وعلى أيٍّ كان، رجلاً أو امرأة، يوماً لمناهضة العنف بحد ذاته.

العدد 1140 - 22/01/2025