27 عاماً على استشهاد حسين مروة

من الصعب أن نقارب الحياة الكفاحية والإنتاج الأدبي (النقدي  الفكري) للشهيد الراحل د.حسين مروة ابن الحزب الشيوعي اللبناني، وأحد أهم مفكري القرن العشرين.

ولم نجد أصدق من رفيق عمره في الحزب وفي مجلة (الثقافة الوطنية) وبعدها مجلة (الطريق) الراحل أيضاً محمد دكروب، ليتحدث عن أهم ملامح شخصية حسين مروة ومنجزه النقدي والفكري، فقد أفرد له بحثاً في مجلة (الطريق) العدد 3 ربيع ،2012 تحدث فيه عن تكوينه الثقافي وطريقه من النجف إلى الماركسية، ونضاله في العراق وفي لبنان، وحياته الحافلة بالنزاهة، والاستقامة والطمأنينة والقلق، معرجاً على أهم منجزاته النقدية والفكرية وما أثارته من جدل، وقد توّجت في منجزه التاريخي:

(النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية)

 نقتطف من المقالة:

(فليس يصحّ في عقل حسين مروة، ولا في سلوكه وأخلاقه، الفصل بين الإنتاج الإبداعي الثقافي والمعرفي، وبين النشاط العملي في الحركة الكفاحية. وليس من جدار، على الإطلاق، بين طاولة الكتابة عنده وبين ساحات العمل الوطني  ففي فكر حسين مروة وسلوكه يتوحد ويبرز، بوضوح ناصع، ذلك الترابط والتفاعل الديالكتيكي بين الفكر والعمل، وإعلان الموقف والنضال في سبيله. ودائماً، في حالة الكتابة، (يمتشق) حسين مروة القلم، وفي حالة المشاركة في النشاط الكفاحي العملي (يصوغ) حسن مروة المعرفة العلمية.

فكتابه (قضايا أدبية) (صدر عام 1956 عن دار الفكر في القاهرة) هو من أبرز علامات المعركة الأدبية الفكرية التي كان زمانها فترة الخمسينيات الخصبة، وساحتها العالم العربي كله، وعلى الأخص. مصر ولبنان وسورية والعراق والسودان، وقد وصل تأثيرها أيضاً إلى بلدان عربية أخرى.

وكان حسين مروة شارك في هذه المعركة عبر قيادته لتيار مجلة (الثقافة الوطنية) (صدرت بين 1953  1959) وعبر مقالاته ودراساته فيها، حيث كان يناقش المفاهيم ويؤسس لها في وقت معاً. فحمل الكتاب ملامح من الصياغات التأسيسية  الأولى، والأولية، لمفاهيم النقد الأدبي، أو النظرية الأدبية، التي أخذ المثقفون الماركسيون العرب يبشرون بها منذ مطالع الخمسينيات.

هذه الحركة في تطوير النقد الأدبي وتجديده وتدقيق مفاهيمه وإنتاج مفاهيم جديدة، نلمسها بوضوح في الكتابات اللاحقة لحسين مروة: أولاً، في الطبعة الأولى من كتابه (دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي)، وثانياً  وعلى الأخص  في الطبعة الثانية التي أضاف إليها دراسات ومقالات تشكل بذاتها مرحلة جديدة في كتاباته، وتعبر عن النضج والغنى، وفضيلة إعادة النظر، في حركة النقد الأدبي الماركسي التي ينتمي هو إليها.

الطبعة الأولى من كتابه هذا، صدرت عام ،1960 وفي فصوله ينتقل حسين مروة من التعميم إلى التخصيص. من المقالات التي تشرح مفاهيم الأدب الواقعي) و(الواقعية الاشتراكية) (في مجرى المعركة مع أصحاب التيارات التي تنكر على الأدب، وعلى الأديب، تالياً، أن يكون له موقف في الصراع الاجتماعي السياسي الدائر. وتدعو إلى (استقلالية الأدب) وتعود إلى نغمة (الفن للفن)  وهي شروحات قرأناها في كتابه الأول (قضايا أدبية)  ينتقل مروة، في كتابه الثاني هذا، إلى الدراسات التطبيقية، فيتناول عدداً من الأعمال الأدبية الفنية نفسها (شعر ورواية ومسرح) ويناقش عدداً من القضايا الفنية والفكرية عبر مناقشته العديد من النماذج الإبداعية هذه.

النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية!

فهذا الكتاب الريادي التأسيسي الموسوعي هو أيضاً  وبهذه الصفة بالذات  عمل نضالي، وتنفيذ لمهمة حزبية، ثورية، من نوع فريد، مهمة لها صفة تاريخية.

يقدم، بجزأيه، معرفة علمية ورؤية ماركسية عربية جديدة للتراث الفكري الفلسفي العربي، إذ ينظر إلى مكان هذا التراث من اللحظة التاريخية في خط تطور المجتمع العربي  الإسلامي، خلال العصور الوسطى خاصة. ويشكل، إلى هذا، عملية مسح معرفي لخطوات أساسية ونقلات تاريخية للعرب، يتفاعل فيها التطور الاجتماعي الاقتصادي بالتطور الفكري الفلسفي، منذ الجاهلية حتى القرن الرابع هجري. وكان هذا كله يطرح الكثير والجديد من قضايا التراث، والفلسفة العربية، والمنهج.

فقد أثار الكتاب حين صدوره عاصفة من الترحيب والتقييم والنقد: التبني والإنكار. الجدل والحوار والنقاش الذي استمر زماناً طويلاً بعد صدور الكتاب.. وهو يطرح إشكالاته حتى يومنا هذا.

بعد استعداد طويل وتردد قلق، وتهيّب هو من ثمار النقاشات الواسعة التي أثارها الجزآن الأول والثاني من (النزعات)، وبشعور عظيم بالمسؤولية العلمية، وقلق معرفي، يعانيه كلما تحفز للدخول في دراسة أساسية ما  حدد حسين مروة يوماً معيناً للدخول في كتابة الجزء الثالث.

هذا اليوم هو 17 شباط 1987.

في هذا اليوم بالذات، قتلوا حسين مروة  في محاولة لإطفاء عقل مضيء.

كما في التراجيديا الملحمية عند الإغريق:

الإنسان يتحدى (القدر)، يذهب إلى المعجزة.. فكأنه، وهو يعرف مصيره، يتصدى لاجتراح الانتصار.. وهو، بموته بالذات، ينتصر، يخترق الزمن.

إنه بيننا الآن  كعادته  يصغي، يفكر، يبتسم، يقول، ويحاور..).

العدد 1140 - 22/01/2025