التقلّبات في الاقتصاد السوري وأثرها على ميزان المدفوعات (1من2)
يعكس ميزان المدفوعات تطور الاقتصاد الوطني إما سلباً أو إيجاباً، ويعرّف بأنه بيان إحصائي يوجز ما يجري من معاملات اقتصادية بين اقتصاد معين والعالم الخارجي خلال فترة زمنية محددة (سنة)، ويتألف من:
أولاً_ الحساب الجاري الذي يتكون من (الميزان التجاري، وميزان الخدمات، وميزان الدخل والتحولات الجارية). فعندما يكون رصيد هذا الحساب دائناً يشير إلى امتلاك البلد لموارد اقتصادية بما يكفل تسديد التزاماته الخارجية وتكوين احتياطات بالعملات الصعبة، وعندما يكون الرصيد مديناً فهو يشير إلى حاجة البلد للاقتراض الخارجي وانخفاض موجوداته وزيادة التزاماته الأجنبية أو الاثنين معاً.
ثانياً_ الحساب الرأسمالي والمالي الذي يشير إلى صافي تدفق المعاملات الرأسمالية والمالية، وصافي الاستثمارات المباشرة بأنواعها (الطويلة، القصيرة، الحافظة).
ثالثاً_ الحساب الكلي وهو مجموع رصيد الحساب الجاري ورصيد الحساب الرأسمالي والمالي.
رابعاً_ الحساب النقدي (صافي الموجودات الأجنبية).
سنركز في هذه المقالة على الحساب الجاري، والحساب الرأسمالي والمالي.
لقد شهد الحساب الجاري خلال الأعوام الأولى من القرن الحادي والعشرين تحسناً طفيفاً، إذ حقّق فائضاً محدداً، ويعود السبب في ذلك إلى تحسن رصيد الميزان التجاري والدخل والتحويلات الجارية، مقابل عجز طفيف في حساب الخدمات، الأمر الذي تغير على اعتاب الأزمة، وخلال الأزمة بصورة دراماتيكية.
1- الميزان التجاري: ويعتبر المرآة التي تعكس مستوى تطور اقتصاد هذا البلد أو ذاك، وخصائصه، واتجاه تخصص هذا الاقتصاد وتميّزه ، معبراً عن ذلك بحجوم الصادرات والواردات من السلع والخدمات ونوعياتها ، وبرصيد الميزان التجاري، ويعبر تطور العلاقة النسبية بين قيمة وحدة الصادرات وقيمة وحدة الواردات، وما يسمى بشروط التجارة، عن تطور فعالية اقتصاد هذه الدولة مقارنة بتطور فعالية الاقتصادات الأخرى، أي هل يتقدم هذا الاقتصاد أو يتأخر، وذلك دون أن تغفل أهمية التجارة الداخلية التي تعد هي أيضاً أحد المؤشرات الهامة التي تبين مدى فعالية الاقتصاد ونشاطه في هذا البلد أو ذاك، فبقدر ما يكون حجم التبادل التجاري الداخلي كبيراً، وبقدر ما تكون الدورة النقدية سريعة، فإن ذلك يعكس مدى نشاط حركة السوق، وبالتالي نشاط الاقتصاد.
ولو تتبعنا التغيرات التي طرأت على الميزان التجاري السوري لتبين لنا أنه يتميز بحدّة التقلبات صعوداً أو هبوطاً، الأمر الذي يعكس وبشكل صريح التقلبات الاقتصادية التي اتصف بها تطور الاقتصاد السوري خلال العقدين الماضيين. لقد شهد الميزان التجاري خلال الفترة 1992-1996 عجزاً واضحاً، إذ بلغ عام 1994 مبلغ 42266 مليون ليرة سورية، إلا أن هذا العجز انخفض انخفاضاً واضحاً عام 1995 فصار 4923 ل.س، ويعود السبب في ذلك إلى زيادة الصادرات من قبل القطاعين العام والخاص مقابل انخفاض مستورداتهما (1).
أما في أعوام 1996-1999 فقد شهد الميزان التجاري تذبذباً واضحاً.
ففي عام 1996 كان التزايد في حجم العجز واضحاً، إذ ارتفع إلى 13223 مليون ليرة بسبب زيادة مستوردات القطاع العام والخاص وانخفاض قيمة الصادرات، إلا أن الميزان التجاري شهد عام 1997 فائضاً بلغ 20398 مليون ليرة، ويعود السبب في ذلك إلى انخفاض المستوردات لكل من القطاعين العام والخاص مع ازدياد الصادرات لكل منهما، أما في عام 1998 ومع انخفاض أسعار النفط العالمية، وانخفاض قيمة الصادرات لكل من القطاعين، فقد شهد الميزان التجاري عجزاً واضحاً بلغ 8770 مليون ليرة سورية (2).
وشهد الميزان التجاري خلال الفترة 2000-2003 فائضاً واضحاً، فارتفع هذا الفائض من 56941 مليون ليرة سورية عام 2000 إلى 105491 عام 2002 إلا أنه انخفض إلى 65548 مليون ليرة عام ،2003 ويعود السبب في ذلك إلى زيادة الصادرات النفطية بشكل كبير بسبب ارتفاع الأسعار العالمية، إضافة إلى زيادة الصادرات غير النفطية التي شهدت تحسناً واضحاً من قبل القطاع العام والخاص على الرغم من زيادة المستوردات، إلا أن نسبة زيادة الصادرات كانت أكبر من زيادة المستوردات، ويشير الميزان التجاري عام 2005 إلى عجز واضح وصل إلى 78069 مليون ليرة، ويعود السبب إلى تراجع في التصدير وزيادة في الاستيراد (3). أما في الفترة ما بين 2005-2014 فلقد تميز الميزان التجاري بغلبة الواردات على الصادرات، فبلغ العجز عام 2006 حوالي 600 مليون دولار (حسب سعر الصرف آنذاك)، ووصلت عام 2014 إلى أربعة مليارات وثمانمئة مليون دولار بسعر الصرف في العام نفسه، وبلغ حوالي 3,4% من إجمالي الناتج المحلي (4).
******
(1) هيئة تخطيط الدولة: تحليل الاقتصاد الكلي عام 2005.
(2) المصدر السابق نفسه.
(3) المجموعة الإحصائية لعام 2006.
(4) عن معطيات الصندوق الدولي حول الاقتصادي السوري (إطار استمرارية القدرة على تحمل الدين الخارجي 2004-2014).