انتخابات مجلس الشعـب معـركة باردة بلا اقتصاد!

 لا يوجد في البرامج الانتخابية لمرشحي مجلس الشعب، للدور التشريعي الثاني، ما يؤكد أن هذه البرامج تختلف عن سابقاتها، لاسيما في مضمونها الاقتصادي. وهذا يعود لسببين، الأول يتصل باستمرار المشكلات الاقتصادية ذاتها، والفشل الذريع في معالجتها، وعدم الانتباه لمخاطرها، وتركها تتجذر، حتى أخذت المساحة الأوسع من الشأن الاقتصادي العام. وهنا ثمة ارتباط وثيق بين الفشل الحكومي، والضعف الواضح لأعضاء مجلس الشعب في تشكيل (لوبيات) قوية تضغط على الحكومات، لحثّها على ممارسة الدور المنوط بها.

والسبب الثاني، يتعلق بعدم وضع برامج ممكنة التنفيذ، واقتصار الرؤى على الإجرائي البسيط، وترك الجوهري، والاتكاء على العناوين الكبيرة المتفق حولها.

ومن الظلم القياس بالمسطرة ذاتها على جميع المرشحين، فهناك فوارق كبرى في رغباتهم، وفي توجهاتهم. إلا أن الأعضاء السابقين – المرشحين الحاليين – يمتلكون خبرة في صوغ بياناتهم، ودغدغة أحلام ناخبيهم، والعزف على الوتر الذي يسعى إليه الناخب. ويسجل في الحملات الانتخابية للدور التشريعي القادم، غياب المظاهر الاحتفالية، مع المحافظة على المهرجانات الخطابية، لاسيما في المناطق الآمنة، لقوائم الوحدة الوطنية.

إلا أن الخطاب الخشبي الذي تميزت به الغالبية الساحقة للبرامج الانتخابية والبيانات، لا يشفع للمرشحين، رغم الظروف الدامية التي تتعرض لها البلاد. وظهرت بيانات قد لا تسعف المرشح، موازنات كبرى، وأوضاع عامة أفضل، لتنفيذها، ما يعكس الابتعاد الكلي عن الواقع، ووجود شرخ كبير بين المرشحين وتطلعات الناخبين.

من هو المرشح القادر على معالجة موضوع الفساد؟ أو القضاء على البطالة؟ أو تحقيق التنمية؟ أو دعم المنتج المحلي؟ أو تطوير الصناعة؟ أو إنقاذ الفلاح وزراعته؟ هذه العناوين البارزة لمعظم مرشحي المجلس، منذ عقود، ولم تختلف العناوين، وبقيت التفاصيل. والأعضاء المزمنون في المجلس العريق، يتذكرون ذلك تماماً، ويعون أن برامج المرشحين ليست أكثر من بيانات ورقية، لن نقول عنها إنها بلا مصداقية، لكن عدم تطبيق الجزء الأكبر والأهم منها، يبدد الثقة بمجلس يمثل الشعب

. وعندما يوزع مرشح صورته مع كل ربطة خبز، كما حدث في بعض المناطق، يحق لنا التساؤل عن قدرة هذا المرشح على إيصال صوت الناس إلى الجهة المطلوبة؟ كما أنه يعبر عن الوسائل التقليدية في التواصل مع المواطنين، ويكشف حالة من عدم الجدية في مخاطبة الناخبين. أدى الخطاب الخشبي لأعضاء مجلس الشعب عبر العديد من الأدوار التشريعية، إلى تحالف سلطوي، بين الحكومة والأعضاء، ساهم بشكل واضح في تلبية مصالح الأعضاء الخاصة، مقابل التخفيف من الأعباء عن الحكومة.

لم نرَ كتلاً برلمانية قوية، قادت حملات لمعالجة ملفات بعينها، كنّا على الدوام نسمع عن مصالح ضيقة، وعن عجز واضح في دور مؤسسة مجلس الشعب لتمثيل الشعب، وغياب الرغبة الحقيقية للخروج عن النص، أو التغريد خارج السرب التقليدي. وفي الاستجوابات الأخيرة التي نُفذت بالمجلس، ظهر الانسجام بين مؤسستين لابد من وقوف كل واحدة منهما، على مسافة بعيدة عن الأخرى، نظراً للأدوار المختلفة لكل منهما. وهذا ما سيحدث في الدور التشريعي الثاني، لأن أعضاء قائمة الوحدة الوطنية، البالغ عددهم ،200 هم على الأرجح متفقون، وشركاء في الحكومة.

هذا لا يخرج عن إطار البرامج الانتخابية، فالبرامج الهزيلة في مضمونها، وغير القابلة للتحقيق، هي لمرشحين سيكونون أعضاء غير فاعلين، وغير قادرين على التحكم بالاتجاهات المطلوبة اقتصادياً. إذ سيتنافس 3641 مرشحاً على 50 مقعداً، على اعتبار النجاح الحتمي لقائمة الوحدة الوطنية، إذ يبلغ عدد أعضاء مجلس الشعب 250.

لم نرَ مرشحاً، يرفض النهج الاقتصادي المُعلن، أي التشاركية، ما يعني أن المرشحين الذين سيحالفهم الحظ، موافقون على توجه الحكومة الحالية الاقتصادي، وهذه طامة كبرى، ومهزلة حقيقية يجب وقفها. هل يعقل أن المرشحين الذين سيخوضون الانتخابات بصفات متعددة، مستقلين وجبهويين…الخ، متفقون مع ما ذهبت إليه الحكومة الحالية في توجهاتها الاقتصادية؟ إن الاختلاف في الرأي والموقف، ليس عيباً، ورفض النهج لا يعني خلق حالة عدائية مع الحكومة، بل قد يكون في العموم تصويباً لعملها، وتحسيناً لأدائها، وإنارة للزوايا المظلمة التي تسير فيها. لا يملك المرشحون عصا سحرية، لكنهم يملكون أدوات قوية، في حال استخدموها، فإنهم يصححون مسارات خاطئة لوزارات على صلة مباشرة بحيوات الناس المعيشية، وقوتهم اليومي.

ليس من المهم من أي منبر يطلق المرشح برنامجه الانتخابي، وفي أي وسيلة يعلن عنه، المهم مضمون البيان، وما يتضمنه من مواقف، وما يشمله من رغبات قابلة للتحقيق. هذا يؤسس لحالة مختلفة، ولعلاقة مغايرة للسائد بين الحكومة ومجلس الشعب، ويلغي تلك الحياة المقفرة، والجدباء، لأعضاء المجلس، ويسهم في بث الروح في العمل البرلماني المُغيب. إحدى المشكلات الكبرى في العمل البرلماني السوري، هي طرائق اختيار المرشحين عبر القوى السياسية، لاسيما في قائمة الوحدة الوطنية، التي يظن المرشح أن وجود اسمه فيها، كفيل بضمان وصوله إلى الجلوس تحت القبة المقدسة. طبعاً المقدسة لأنها ملك للشعب، وليست ملكاً للأعضاء. عضوية المجلس ليست تكريماً، موظفون متقاعدون، مديرون عامون على أبواب التقاعد، قيادات في الأحزاب والنقابات، هذا ليس مجلساً حقيقياً للشعب، هو مجلس توزيع جوائز الترضية. إذ بلغ عدد المرشحين ،11341 انسحب منهم 7500 مرشحاً، أي المتبقي ،3841 تم اختيار 200 في قوائم الوحدة الوطنية.

مرشحون بلا برامج، وناخب يريد من يمثله، ويدافع عن قضاياه، ويتابع العمل العام، ولا يطالب الحكومة بما هو مستحيل التنفيذ، ويراقب الأداء، ويسعى لسن تشريعات تخدم الناس دون أن تكون ضدهم. هذا لم نلمسه بشكل واضح في البرامج الانتخابية. هذه مطالب للناس، يجب عدم تجاهلها. وتكفي حالة عدم الرضا، رغم الإصرار على بعض الأسماء، في قائمة الوحدة الوطنية، للتيقن من أن هذه الأسماء لا تتمتع بالشعبية، ولن تكون فاعلة في عملها القادم.

كنّا نتمنى أن نلمس بعض الفوارق الجوهرية في البيانات الانتخابية، شيئاً مهمّاً عن الضرائب التي أرهقت الناس، وتحقيق بعض العدالة الاجتماعية، وبرامج لاستثمار الطاقات المهدورة، ووقف نزيف الخسائر، والتصدي للفساد الكبير، وتلبية متطلبات العيش الكريم. كنّا نتمنى متابعة برامج اقتصادية لها علاقة بهذه الحرب الطاحنة، ومواقف تعكس أن المجلس القادم لا يعمي بصيرته عن الواقع، ولا يتذرع بها لتبرير التقصير والفشل. إن المشكلة الحقيقية، ليست فيمن يفوز بمقعد برلماني، في الانتخابات التي تجري اليوم (الأربعاء 13 نيسان)، بل ماذا سيقول هذا العضو، وماذا يرى، وبماذا سيطالب؟

تحتاج البلاد التي اقتصادها في القاع، إلى مجلس شعب يفكر بالاقتصاد أولاً، وأعضاء يضعون نصب أعينهم معاناة الناس، ورؤى للخروج من عنق الزجاجة، ومبادئ لا يحيدون عنها، وإصرار على الدفاع عن المواطن. هذا مجلس قادر على أن يحدث فرقاً في الأداء، ويحرك تلك المياه الراكدة، ويخلخل العقول المتحجرة. نريد مجلساً يهتم بربطة الخبز، كما يهتم بسن تشريعات مهمة، ويمارس دوره الرقابي بقوة. فهل تحقق هذا في البيانات الانتخابية للمرشحين؟ للأسف، لا نقرأ في برامجهم، سوى الكلام العام، وبعض العجز المسبق، لأن برامجهم خاوية من المضامين التي يستحقها الشعب السوري.

العدد 1140 - 22/01/2025